الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك “جزء 3”
ونكمل الجزء الثالث مع الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وقد ترك الخليفة عبد الملك بن مروان لابنه الوليد دولة مستقرة موحدة بعد أن بذل جهدا كبيرا في توحيدها واستقرارها، فكانت أيامه حافلة بالمنجزات في تاريخ الدولة الأموية، وكان ذلك لما تم في عهده من إصلاحات داخلية عظيمة وفتوحات إسلامية موفقة، وقد قال عن الوليد بن عبد الملك العامة في عهده، أنه كان أبواه يترفانه فشب بلا أدب، وكان لا يحسن النحو ويجهل الخطاب واشتهر بأنه كان جبارا وظالما، ولكنه أقام الجهاد وفتحت في خلالته فتوحات عظيمة، وكان يختن الأيتام ويرتب لهم المؤدبين ويرتب للزمنى من يخدمه وللاضراء من يقودهم وعمر المسجد النبوي ووسعه ورزق الفقهاء والضعفاء والفقراء وحرم عليهم سؤال الناس وفرض لهم ما يكفيهم.
وضبط الأمور أتم ضبط، وفي عهده فتحت الهند والاندلس وبني مسجد دمشق، وقد أولى الوليد بن عبد الملك أمور الجيوش عناية خاصة، وقد هيأ الله في زمانه مجموعة من القادة الذين اتصفوا بالبأس والشدة في القتال، ففتح الله على أيديهم عدد كبيرا من الأمصار والبلدان وكان من أهمها فتح بلاد السند على يد محمد بن القاسم الثقفي، وبلاد ما وراء النهر حتى حدود الصين بقيادة قتيبة بن مسلم، وتابع موسى بن نصير فتح بلاد المغرب، فضم جميع أمصارها إلى الدولة الأموية، ثم استطلع بن نصير أمور الأندلس، فعلم بضعف مملكة القوط فيها، فاستشار الوليد بن عبد الملك، فأذن له الوليد بفتحها مع توخي الحذر، وفتحت البلاد في ثلاث سنوات على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير.
وكان الاستقرار في زمن الوليد بن الملك نتيجة عمل مضني من والده الذي أخمد جميع الثورات وقضى على جميع أعدائه، وقد أسهم هذا الاستقرار بشكل كبير في تفرغ الوليد لبناء الدولة من الداخل مع اطلاعه الدائم على أحوال قادة الجيوش على الثغور في الشرق والغرب، ومع توسع رقعة الدولة وتوافر الأموال زاد اهتمام الوليد بن عبد الملك بالعمران، فبدأ بتحسين الطرقات وتعبيدها، ولاسيما تلك التي تؤدي إلى العاصمة دمشق، وكذلك الطرقات في جهة الحجاز ليؤمن الراحة في طريق الحجاج والمعتمرين، وقد أمر بحفر الأبار ووضع العلامات على طول الطريق، وفي المدينة كلف ابن عمه عمر بن عبد العزيز بالإشراف على توسعة المسجد النبوي الشريف، وضم الحجرات النبوية إلى مساحة المسجد
وكان حريصا على بذل ما يستطيع من الأموال ليظهر المسجد النبوي الشريف بأبهى حلة كما أرسل للمدينة الرخام والأحجار والعمال من الروم والقبط، واعتنى عناية فائقة بعمارة دمشق التي توسعت في زمانه توسعا كبيرا، وكان من أهم اعماله بناء المسجد الأموي في دمشق، وقد انفق فيه الوليد بن عبد الملك مبالغ ضخمة ليكون المسجد علامة بارزة وصورة ناصعة لفن العمارة الإسلامية، فكان مظهرا من مظاهر عظمة الإسلام على مر السنين، وقد تعرض الوليد للانتقاد الكبير من الناس بسبب ما أنفقه من بيت المال على المسجد، لكن الوليد تابع في البناء، لكنه لم يشهد افتتاحه الذي تم بعد وفاته زمن أخيه سليمان، وكانت من أعظم فتوحات الوليد بن عبد الملك هى فتح بلاد ما وراء النهر.
وتقع هذه البلاد حاليا في جنوب روسيا وفي كازاخستان وتمتد شرقا في أواسط قارة آسيا وكانت تسكنها في هذا الوقت قبائل تركية وثنية، وقد قاد قتيبة بن مسلم الجيش والذي كان والي خراسان فاستولى على “مرو” ومن ثم واصل زحفه إلى خوارزم واستولى بعد ذلك على “بخاري وسمرقند” وواصل زحفه حتى وصل أطراف الصين، وقد اعتنق أغلب هذه البلاد الإسلام وظهر منهم العديد من العلماء فيما بعد مثل ابن سينا والخوارزمي والفارابي والبخاري، وكانت من أعظم فتوحات الوليد بن عبد الملك أيضا هى فتح بلاد السند، وتقع هذه البلاد حاليا بين ليبيا وموريتانيا وهى بلاد المغرب الإسلامي الكبير، وكان أهلها أمازيغ وثنيين، وقد قاد الجيش موسى بن نصير ومعه القائد الأمازيغي طارق بن زياد، فاستولوا على طنجة ومن ثم إلى سبتة حتى وصلوا إلى شاطئ المحيط الأطلسي.