الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان “جزء 2”

الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان “جزء 2”

ونكمل الجزء الثاني مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وقد تعاظم نفوذ المختار بعد انتصاره على ابن زياد، وسيطر على شمال العراق والجزيرة وأخذ يولي العمال من قبله على الولايات ويجبي الخراج، وانضم إليه عدد كبير من الموالي لبغضهم لبني أمية من ناحية، ولأنه أغدق عليهم الأموال من ناحية ثانية، وبدا كما لو أنه أقام دولة خاصة به في العراق، بين دولتي ابن الزبير في الحجاز، وعبد الملك بن مروان في الشام، ولكنه لم ينعم طويلا بهذه الدولة، وكان المتوقع أن تكون نهاية المختار على يد عبد الملك بن مروان، الذي وتره بقتل ابن زياد أبرز أعوانه، ولكن عبد الملك كان سياسيا حكيما، وقائدا محنكا، فقد ترك لابن الزبير مهمة القضاء على المختار، لأن عبد الملك كان يعلم أن ابن الزبير لا بد أن يتحرك للقضاء عليه.

فهو لا يسمح لنفوذ المختار أن يتسع ويهدد دولته، فلذلك آثر عبد الملك بن مروان الانتظار، لأن نتيجة المواجهة ستكون حتما في صالحه، فسوف يقضي أحدهما على صاحبه ومن يبقى تكون قوته قد ضعفت فيسهل القضاء عليه، وبالفعل حدث ما كان توقعه عبد الملك بن مروان، فالمختار لم يكتفي بانتصاره على جيش عبد الملك وقد بسط نفوذه على شمال العراق والجزيرة، بل أخذ يجهز نفسه للسير إلى البصرة، وذلك لانتزاعها من مصعب بن الزبير الذي أصبح واليا عليها من قبل أخيه عبد الله بن الزبير، فسار مصعب بنفسه إلى المختار قبل أن يُعاجله في البصرة، والتقى به عند حروراء فدارت الدائرة على المختار فأسرع بالفرار إلى الكوفة، وتحصن بقصر الإمارة، إلا أن مصعبا حاصره في القصر حتى تم قتله سنة سبعه وستين من الهجرة.

وهكذا انتهت حركة هذا المغامر الذي كان همه الوصول إلى الحكم بأية وسيلة، ولم تنفعه ادعاءاته بحب آل البيت والطلب بثأرهم، فقد انكشفت حيله، وتخلى عنه أهل العراق وأسلموه إلى مصيره المحتوم، وبعد أن استعاد ابن الزبير سيطرته على العراق، فكان من الطبيعي أن يحدث الصدام بينه وبين عبد الملك بن مروان، فعزم عبد الملك على السير إلى العراق وانتزاعها من ابن الزبير وكان ذلك سنة واحد وسبعين من الهجره، وكان ذلك بعد أربع سنين من القضاء على المختار، ولعل عبد الملك بن مروان أخَّر هذا الصدام بينه وبين ابن الزبير إلى هذا الوقت لكي يوطد دعائم حكمه في بلاد الشام، فقضى هذه السنين في حل مشاكله مع زفر بن الحارث الكلابي الذي كان معتصمًا بقرقيسياء مهددا بذلك إقليم الجزيرة كله، وقد عالج عبد الملك مشكلة زفر بالحكمة والسياسة.

واصطلح معه، وأنهى بذلك مسألة قرقيسياء التي استمرت حوالي سبع سنين كالشوكة في جنب دولته، ثم تخلص من منافسه الخطير وهو عمرو بن سعيد الأشدق بقتله حيث نازعه الخلافة، وبعد أن اطمأن عبد الملك إلى استقرار حكمه ببلاد الشام توجه لقتال مصعب بن الزبير فنزل عبد الملك، مسكن وزحف مصعب نحو باجميرا وعلى مقدمة جيشه إبراهيم بن الأشتر، ثم أخذ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق من جيش مصعب يعدهم ويمنيهم، بل إن عبد الملك بن مروان صرح أن كتب أهل العراق أتته يدعونه إليهم قبل أن يكاتبهم هو، وفي الوقت الذي كان عبد الملك يكاتب فيه زعماء أهل العراق من قواد مصعب والذين قبلوا التخلي عنه والانضمام إلى عبد الملك، وكان حريصا على ألا يقاتل مصعبا للمودة والصداقة القديمة التي كانت بينهما.

فأرسل إليه رجلا من كلب وقال له أقرئ ابن أختك السلام وكانت أم مصعب كلبية، وقل له يَدع دعاءه إلى أخيه، وأدعو دعائي إلى نفسي، ويُجعل الأمر شورى، فقال له مصعب قل له السيف بيننا، ثم حاول عبد الملك محاولة أخرى، فأرسل إليه أخاه محمدا ليقول له، إن ابن عمك يعطيك الأمان، فقال مصعب إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبا أو مغلوبا، ثم دارت معركة فبدأت خيانات أهل العراق تظهر، فقد أمد مصعب إبراهيم بن الأشتر بعتاب بن ورقاء، وهو من الذين كاتبوا عبد الملك، فاستاء إبراهيم من ذلك، وقال قد قلت له لا تمدني بعتاب وضربائه، إنا لله وإنا إليه راجعون، فانهزم عتاب بالناس، فلما انهزم صبر ابن الأشتر فقتل فكان قتله خسارة كبيرة لمصعب لأنه فوق شجاعته كان مخلصا له غاية الإخلاص.