الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان “جزء 4”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فيروى أن أنس بن مالك كتب إلى عبد الملك يشكو الحجاج، ويقول في كتابه لو أن رجلا خدم عيسى بن مريم أو رآه أو صحبه تعرفه النصارى، أو تعرف مكانه، لهاجرت إليه ملوكهم، ولنزل من قلوبهم المنزلة العظيمة، ولعرفوا له ذلك، ولو أن رجلا خدم موسى أو رآه تعرفه اليهود لفعلوا به من الخير والمحبة وغير ذلك ما استطاعوا، وإني خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا صاحبه، ورأيته، وأكلت معه، ودخلت وخرجت وجاهدت معه أعداء، وإن الحجاج قد أضر بي وفعل وفعل، فلما بلغ عبد الملك الكتاب بكى وغضب غضبا شديدا، وكتب على الفور إلى الحجاج بكتاب غليظ اللهجة، فلما جاءه الكتاب تغير، ثم قال لحامل الكتاب انطلق بنا إليه نترضاه، ولم يكن عبد الملك بن مروان يسمح لأحد.
أن يداهنه أو ينافقه، أو يضيع وقته فيما لا يفيد، فقد رُوي أن رجلا سأل عبد الملك أن يخلو به، فأمر عبد الملك من عنده بالانصراف، فلما خلا به، وأراد الرجل أن يتكلم قال له عبد الملك احذر من كلامك ثلاثا إياك أن تمدحني فإني أعلم بنفسي منك، أو تكذبني فإنه لا رأى لكذوب، أو تسعى إلي بأحد من الرعية فإنهم إلى عدلي وعفوي أقرب منهم إلى جوري وظلمي، وإن شئت أقلتك، فقال الرجل أقلني فأقاله، وكان من جهود عبد الملك في إرساء دعائم الوحدة والاستقرار في الدولة الإسلامية، إصدار عملة إسلامية لأول مرة وتوحيد أوزانها، ضمانا للعدالة، وكانت هذه خطوة حضارية كبيرة فقد حررت اقتصاد الدولة الإسلامية من الاعتماد على العملات الأجنبية، وبصفة خاصة الدينار البيزنطي، ومن الأعمال الباهرة لعبد الملك تعريب دواوين الخراج
والذي كان العمل فيه حكرا على غير العرب، وكان هذا وضعا شاذا فجاءت خطوة عبد الملك لتصحح الوضع، وتفتح المجال أمام العرب المسلمين للعمل في هذا الديوان والتدريب على شئون المال والاقتصاد، وكانت تلك الخطوة ذات أثر حضاري كبير في التاريخ الإسلامي، وكان أهم ما حدث في خلافة عبد الملك بن مروان هو أنه في سنة أربعة وسبعين من الهجرة، سار الحجاج بن يوسف إلى المدينة وأخذ يتعنت على أهلها ويستخف ببقايا من فيها من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختم في أعناقهم وأيديهم يذلهم بذلك كأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وسهل بن سعد الساعدي، وفي سنة خمسة وسبعين من الهجره، حج بالناس عبد الملك الخليفة وسير الحجاج أميرا على العراق، وفي سنة سبعه وسبعين من الهجره، فتحت هرقلة.
وهدم عبد العزيز بن مروان جامع مصر وزيد فيه من جهاته الأربع، وفي سنة أثنين وثمانين من الهجره، فتح حصن سنان من ناحية المصيصة وكانت غزوة أرمينية وصنهاجة بالمغرب، وفي سنة ثلاثه وثمانين من الهجره، بنيت مدينة واسط بناها الحجاج، وفي سنة أربعه وثمانين من الهجره، فتحت المصيصة وأودية من المغرب، وفي سنة خمسه وثمانين من الهجره، بنيت مدينة أردبيل ومدينة برذعة، وقد بناهما عبد العزيز ابن حاتم بن النعمان الباهلي، وفي سنة سته وثمانين من الهجره، فتح حصن بولق وحصن الأخرم، وفيها كان طاعون الفتيات وسمي بذلك لأنه بدأ في النساء، وفيها مات الخليفة عبد الملك بن مروان في شوال وخلف سبعة عشر ولدا، وكانت من الإصلاحات والإنجازات فى عهد الخليفه عبد الملك بن مروان.
أنه اعاد بناء الكعبة التي هدمها الحجاج سنة ثلاثه وسبعين من الهجره، وقد قضى الخليفة عبد الملك بن مروان على الفتن التي كانت تعم العالم الإسلامي عندما تولى الخلافة، ويقول عنه ابن خلدون هو من أعظم خلفاء الإسلام والعرب، وكان يقتدي في تنظيم الدولة بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وهو أول من نقل الديوان من الفارسية إلى العربية فكان ذلك سببا في اتساع نطاق العالم العربي إلى ما هو عليه الآن، وهو أول من رفع يديه على المنبر، وهو الذى أعطى الطابع النهائي لنظام البريد المتطور، وهو الذى صك النقود الإسلامية وجعلها العملة الوحيدة بالعالم الإسلامي لأول مرة، فهو أول من ضرب الدنانير وكتب عليها القرآن، فكتب عليها، قل هو الله أحد، وفي الوجه الآخر لا إله إلا الله، وطوقه بطوق فضة وكتب فيه ضرب بمدينة كذا .