نبي الله إسماعيل عليه السلام “جزء 3” 

الدكروري يكتب عن نبي الله إسماعيل عليه السلام “جزء 3” 

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نبي الله إسماعيل عليه السلام “جزء 3”

ونكمل الجزء الثالث مع نبي الله إسماعيل عليه السلام، حيث انبجس الماء من بئر زمزم، فعرفوا أن في ذلك الوادي ماء، وبعثوا منهم من يتحقق من ذلك، فجاؤوا إلى الوادي فرأوا هاجر وإبنها إسماعيل، وشاهدوا البئر المملوءة ماء فأعجبهم المكان، فاقتربوا من هاجر وسألوها من تكون؟ فقصت السيده هاجر عليهم قصتها، فطلبوا منها أن تأذن لهم في النزول قريبا منها ومن البئر، فقالت لهم سوف أستأذن لكم زوجي إبراهيم، فإنه يتفقدنا بين الحين والحين، ولما جاء إبراهيم ليرى إلام صار حال زوجته وابنه البكر إسماعيل عليه السلام، فسألته هاجر إن كان يأذن أن ينزل الجرهميون قريبا منها في وادي مكة، فسر بذلك سرورا عظيما، وقد علم أن دعوته بدأت تتحقق، فأذن لهم، وجاءت رسل جرهم ليعرفوا الجواب، فأعلمتهم هاجر أن زوجها.

أذن لهم بالنزول قريبا منها، شرط ألا يكون لهم على الماء سلطان، فعادوا إلى قومهم يخبرونهم، ففرحوا بذلك ووافقوا، وأقام الجرهميون قرب الماء، فأنست بهم أم إسماعيل، وقد منحوا ابنها كثيرا من المواشي، وشبّ إسماعيل عليه السلام، بين أبناء قبيلة جرهم، كواحد منهم، فتعلم منهم العربية، وبلغ مبلغ الرجال، ولما بلغ إسماعيل عليه السلام، الثالثة عشرة من عمره، أراد الله سبحانه وتعالى أن يمتحنه ويمتحن أباه إبراهيم عليه السلام، فأرى إبراهيم في المنام أنه يأمره بذبح ولده البكر الشاب إسماعيل، وصدق إبراهيم الرؤيا قولا وسعى إلى تصديقا عملا وفعلا، فجاء إلى ولده إسماعيل وقال له كما قال تعالي ” يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى” فذهب إبراهيم عليه السلام لولده وأخبره بما أمره الله به، فما كان من هذا الولد الصالح.

ابن السيدة التي وكلت أمرها لله تعالى في السابق إلا أن يستجيب لوالده ولأمر الله تعالى بكل حب وطواعية صابرا محتسبا، مرضيا لربه، وبارا بوالده، ولم يكن إسماعيل عليه السلام، ليكذب رؤيا أباه، ويرفض أمر الله مولاه، فقال لأبيه كما قال تعالي “يا أبت افعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين” فانظروا إلى تمام العبودية وكمال الامتثال لأمر الله تعالى سواء من الأب الذي أمره الله عز وجل أن يذبح ولده الوحيد الذي طالما تمناه وبعد أن رزقه الله تعالي به على كبر، ومن الابن الذي لم يتذمر ولم يرفض بل هانت عليه نفسه إرضاء لله تعالى، وأخبر والده أنه موطن نفسه على الصبر، وقرن ذلك بمشيئة اللّه تعالى، لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة الله تعالى، وهكذا صدق الإثنان، نبي الله إبراهيم خليل الله، وولده إسماعيل عليهما السلام.

صدقا أمر الله دون أن تراودهما الهواجس والشكوك، ولم يترددا في التنفيذ، وبدأ التنفيذ العملي لذلك التصديق، حيث قاد الخليل إبراهيم عليه السلام، إسماعيل إلى المكان الذي أمره الله تعالي أن يذبحه فيه، فبعث الله سبحانه وتعالي إليه ملكا على صورة شيخ جليل رزين، فقال إبراهيم عليه السلام، ياإبراهيم، ماتريد من هذا الغلام؟ قال عليه السلام أريد أن أذبحه، قال الشيخ سبحان الله، غلام لم يعصي الله، ولم يأتي مايستحق منك ذلك، فقال إبراهيم عليه السلام، إن ربي هو الذي أمرني بذلك، فقال الملك الشيخ ربك ينهاك عن ذلك، فقال إبراهيم عليه السلام، ويلك إن الذي بلغني هذا المبلغ هو الذي أمرني به، وظل الشيخ يحاور الخليل إبراهيم عليه السلام، ويقول له ياإبراهيم إنك نبي إمام، فلئن أنت ذبحت إبنك، تبعك الناس من بعدك وصاروا يذبحون أولادهم.

ولم يلتفت خليل الرحمن إلى كلام الشيخ، بل أقبل يستشير ولده إسماعيل عليه السلام، في الذبح وكيف يكون، فقال إسماعيل يا أبتاه، غطي وجهي بخمار، واربط يدي ورجلي، فقال إبراهيم عليه السلام الوثاق مع الذبح، لا والله أجمعهما عليك، وأسلما لأمر الله، وتلّ إبراهيم إسماعيل، وأضجعه على الأرض وأخذ السكين ووضعها على حلقه، ورفع رأسه إلى السماء، ولكن الله العزيز العليم، لم يكن ليترك إبراهيم يذبح ولده إسماعيل وهو يعلم صدق الأثنين وتسليمهما لأمره، ولما استسلم إبراهيم وولده لأمر الله تعالى وفوضا أمرهما إليه، ذهبا سويا إلى مكان بعيد وخلع إسماعيل قميصه ليكفنه والده فيه، وأضجع إبراهيم ولده على وجهه لئلا ينظر إليه فيشفق عليه، وفي هذه اللحظات التي تسكب فيها العبرات، وتحتبس من أجلها الأنفاس داخل الصدور، فلا ترى إلا المدامع في العيون.