الدكرورى يكتب عن نبي الله موسي عليه السلام “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله موسي عليه السلام “جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع نبي الله موسي عليه السلام، ووجد فتاتين تقفان ومعهما أغنامهما، بعيدا عن الماء، خوفا من مزاحمة الرجال، فسقى لهما ثم تولى إلى الظل، وهو يدعو الله عز وجل، طالبا منه العون والتوفيق، ولما عادت الفتاتان إلى أبيهما شعيب عليه السلام، وقد كان شيخا كبيرا، وقصتا عليه خبر موسى عليه السلام، دعاه إلى بيته، فقص موسى على شعيب عليهما السلام، ما حدث معه، فطمأنه شعيب، وعرض عليه أن يزوجه إحدى ابنتيه، مقابل أن يعمل عنده في رعي الأغنام، فوافق موسى عليه السلام على ذلك، وأقام في مدين، وبعد سنوات خرج موسى مع أهله من مدين متجها إلى مصر، ولما وصل إلى طور سيناء ضل الطريق، وقد رأى نارا فطلب من أهله الانتظار، حتى يذهب إلى مكان النار، ويأتي منها بشعلة.
فلما وصل إليها ناداه الله عز وجل وكلمه سبحانه وتعالى، وقد أيده الله بالمعجزات، وأمره بالذهاب إلى فرعون، ليدعوه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وإن نبى الله موسى عليه السلام، قيل فى تسميته بهذا الأسم أنه لا يوجد نص من الوحي ولا من كلام من يوثق به من أهل العلم على من سمى موسى عليه السلام بهذا الاسم، وإنما يحكى أن آل فرعون سموه بهذا الاسم، واستدل على ذلك بأن كلمة موسى معناها بالقبطية الوليد والابن وبعضهم يرى أن أصل الاسم موشيه، وهي كلمة عبرانية معناها المنتشل من الماء، وإذا كان هكذا فهل سمته به امرأة فرعون أو أمه، وأنه ليس يوجد ما يجزم به في هذا الأمر، إلا أنه يبعد أن يكون آل فرعون سموه باسم عبراني لأن الغالب في الأقوى ألا يتكلم بلغة المستضعف، والأغلب على الظن أن أم موسى إن كانت قامت بتسميته سابقا.
لن ترغب في البوح باسمه الأول لئلا تتهم بمعرفته السابقة له وبأنها أمه، وإن نبي الله موسى عليه السلام، قد ولد في وقت قد اشتد فيه فرعون على بني إسرائيل، فكان يذبح كل مولود ذكر يولد من بني إسرائيل، ويستحيي النساء للخدمة والامتهان، فلما ولدته أمه خافت عليه خوفا شديدا، فإن فرعون جعل على بني إسرائيل من يرقب نساءهم ومواليدهم، وكان بيتها على ضفة نهر النيل، فألهمها الله أن وضعت له تابوتا إذا خافت أحدا ألقته في اليم، وربطته بحبل لئلا تجري به جرية الماء، ومن لطف الله بها أنه أوحى لها، وقال لها “ولا تخافى ولا نحزنى، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين” فلما ألقته ذات يوم انفلت رباط التابوت، فذهب الماء بالتابوت الذي في وسطه موسى، ومن قدر الله تعالي أن وقع في يد آل فرعون، وجيء به إلى امرأة فرعون آسية.
فلما رأته أحبته حبا شديدا، وكان الله قد ألقى عليه المحبة في القلوب، وشاع الخبر ووصل إلى فرعون، فطلبه ليقتله، فقالت امرأته لا تقتلوه، قرة عين لي ولك، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا، فنجا بهذا السبب من قتلهم، وكان هذا الأثر الطيب والمقدمة الصالحة من السعي المشكور عند الله عز وجل، فكان هذا من أسباب هدايتها وإيمانها بموسى عليه السلام بعد ذلك، وأما عن حقيقة قصة الجمرة والتمرة التي نعرفها جميعا في قصة نبي الله موسى عليه السلام، فقد ذكر ابن كثير في التفسير والرازي في تفسيره، أن موسى عليه السلام امتحنه فرعون بهذا لما نتف شيئا من لحيته فهم بقتله، فقالت له آسية بنت مزاحم، زوجة فرعون إنه صبي لا يعقل وعلامته أن تقرب منه التمرة والجمرة فقربتا إليه فأخذ الجمرة، ولم يذكرا رحمهما الله، سندا للقصة.
وعزاها النيسابوري في تفسيره لابن عباس رضي الله عنهما، وكونها من الإسرائيليات لا يمنع من ذكرها، لأن حكاية مثل هذا عنهم يجوز من غير جزم بصدقه، لما في حديث البخاري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال “حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج” وفي حديث البخاري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال “لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم” وقيل أنه في يوم من الأيام كان نبي الله موسى عليه السلام، ماشيا في الطريق وشاهد رجلان يقتتلان، فاستنجده الذي من شيعته فنصره بأن دفع الآخر عنه إلا أنه مات، ولم يقصد موسى عليه السلام ذلك، وفي اليوم التالي وجد نفس الشخص الذي من شيعته يتقاتل مع رجل آخر فعلم أن الذي من شيعته هو من عليه الإثم فنهره، فظن الرجل بأنه سيقتله كما فعل مع الآخر في الأمس.