الدكرورى يكتب عن إياس بن معاذ الأنصاري ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع إياس بن معاذ الأنصاري، فلما بلغ اليهود ذلك ردوا على الخزرج أن الأوس فعلا قد طلبوا نصرتهم لكنهم لن يفعلوا، فطلب الخزرج حينها من اليهود وهم النضير وبني قريظة، رهائن تكون معهم ليأمنوا حربهم، فأرسل لهم اليهود أربعين غلاما من غلمانهم إلى الخزرج، وفي أحد الأيام قام عمرو بن النعمان البياضي إلى قومه الخزرج، وأطمعهم في أراضي النضير وبني قريظة وما تحويه من ماء ونخيل، وما عليه أرضهم من سبخة لا تسكن ولا تطاق، ثم كتب إلى قريظة والنضير يطالبهم بأن يخلوا بينهم وبين ديارهم أو قتل الرهائن, فعزم بنو قريظة والنضير على الجلاء والخروج إلا أن كعب بن أسد القرضي قال.
” يا قوم امنعوا دياركم وخلوه يقتل الرهن والله ما هي إلا ليلة يصيب فيها أحدكم امرأته حتى يولد له غلام مثل أحد الرهن ” فما كان من القوم إلا أن وافقهوه رأيه وراسلوا عمرو بأنهم رفضوا تسليم منازلهم، فقام عمرو وبعض مُطيعيه من الخزرج فقتلوا الرهن, ولم يرضى هذه الفعلة عبد الله بن أبي بن سلول فقال “هذا عقوق ومأثم وبغي فلست معينا عليه ولا أحد من قومي أطاعني ” وبعد هذه الحادثة وبنفس اليوم تقاتل الأوس مع الخزرج قتالا يسيرا، ثم أرسل النضير وبني قريظة إلى الأوس بالقتال معهم ونصرتهم على الخزرج كما حالفتهم بنو ثعلبة وبنو زعوراء، وأجمعوا أمرهم على القتال، وكان بعد وقعة قتل غلمان اليهود وهم كانوا الرهن.
من قبل عمرو بن النعمان وبعض مطاوعيه من الخزرجيين، لم يتوانى بنو النضير وبنو قريضة عن إعلان مُحاربة الخزرج يدا بيد مع الأوس، واشتغل الأوس لفترة طويلة تجاوزت الأربعين يوما بتجميع الحلفاء فانضمت لهم قبائل من بنو ثعلبة من غسان, وبني زعوراء، من غسان، وجدوا في عزمهم على قتال الخزرج وتسلحوا وتجهزوا وأعدوا للقتال عُدته، وقد بلغ هذا الخبر الفظيع الخزرج فقام عمرو بن النعمان وعمرو بن الجموح السلمي إلى عبد الله بن أبي بن سلول وكلموه بالقتال لكن عبد الله بن أبي خالفهم ووبخهم لأفعالهم وبغيهم فرد عليه عمرو بن النعمان، انتفخ والله سحرك يا أبا الحارث حين بلغك حلف الأوس قريظة والنضير.
فقال عبد الله بن أبي بن سلول والله لا حضرتكم أبدا ولا أحد أطاعني أبدا ولكأني أنظر إليك قتيلا تحملك أربعة في عباءة, وتخلف عبد الله بن أبي عن القتال هو ورجال من الخزرج على رأسهم عمرو بن الجموح، فما كان من الخزرج إلا تولية عمرو بن النعمان البياضي قائدا لهم بهذه الحرب وبدأوا بتجميع الحلفاء ومراسلتهم فراسلوا قبيلتى جهينة وأشجع فجاوبوهما، وهكذا، بدأ الفريقان يحشدان الجموع ويألبان الأنصار لليوم المزمع الموعود، وبعد الاستعداد الطويل لهذا اليوم المُرتقب، وتجلي الخوف السائد للطرفين، وازدياد الاحتقان المتصاعد، احتشد الطرفان في بُعاث وهي منطقة لبني قريظة, وما لبثا حتى ألتقيا ودارت رحى المعركة فأنكسر الأوسييون عندما اشتد وطيس المعركة .
ولم يقاوموا فانهزموا هزيمة واضحة ولاذوا بالفرار، إلا أن قائدهم حضير الكتائب قام بطعن قدمه بالرمح وصاح بأعلى صوته، واعقراه كعقر الجمل، والله لا أعود حتى أقتل فإن شئتم يا معشر الأوس أن تسلموني فافعلوا, وعندما سمعوا صوته عطفوا عليه عطفة رجل واحد واستعرت الحرب واشتد سعيرها فقلب الأوسيون الحال رأسا على عقب وقتل عمرو بن النعمان، رئيس الخزرج، بسهم لا يُعرف له رام , وحُمل ملفوفا بعباءة يحمله أربعة وعبد الله بن أبي بن سلول ينظر فيه من بعيد، ويقول له ذق وبال البغي, فكان كل ما قاله ابن أبي بن سلول قبل المعركة قد وقع، وها هو الآن يرى عمرو بن النعمان محمولا على الأكتاف كما أخبره من قبل، وليس إلا وقت قليل وينهزم الخزرج هزيمة نكراء