الدكرورى يكتب عن الخليفة العباسي عبد الله المأمون “جزء 2”
بقلم / محمــــد الدكـــرورى
الخليفة العباسي عبد الله المأمون “جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع الخليفة العباسي عبد الله المأمون، وكان المأمون محظوظا في وجود عدة شخصيات قوية من حوله ساعدته على الحصول على الخلافة والانتصار على أخيه الأمين، من أمثال هذه الشخصيات القائدين الحربيين الكبيرين طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين والوزير صاحب الدور المشبوه الفضل بن سهل، وقد اتسمت سياسة المأمون بأنها جمعت بين المواقف المتناقضة التي يصعب التوفيق بينها، فكان يميل إلى الفرس تارة، ثم إلى العلويين تارة أخرى، ثم يميل إلى أهل السنة والجماعة تارة ثالثة، فاستطاع بتلك السياسة المرنة أن يجمع بين المواقف المتناقضة وأن يرضي جميع الأحزاب ويتغلب على معظم الصعاب، وقد بويع بالخلافة أثناء وجوده في خراسان ولهذا لم ينتقل إلى بغداد مقر الخلافة العباسية.
بل ظل مقيما في مدينة مرو بخراسان مدة ست سنوات تقريبا، وكان من الطبيعى أن يفضلها بعد أن انفرد بالخلافة، لأنها تضم أنصاره ومؤيديه، وكان الفرس يودون أن يبقى بمرو لتكون عاصمة الخلافة، ولكنها بعيدة عن مركز الدولة، وهى أكثر اتجاها نحو الشرق، مما جعل سيطرتها على العرب ضعيفة، وقد تسبب عن بقاء المأمون بعيدا عن عاصمة دولته بغداد بعض الأزمات السياسية، وخصوصا أنه فوّض إدارة البلاد إلى وزيره الفضل بن سهل وأخيه الحسن بن سهل، وأثار تحيز المأمون إلى الفرس غضب أهل العراق من بني هاشم ووجوه العرب، فأشاعوا أن بني سهل قد حجبوا الخليفة واستبدوا بالرأي دونه، واضطر المأمون أخيرا أن يذهب إلى بغداد وأن يترك مرو للقضاء على هذه التحركات فى مهدها، فانتقل بعدها إلى بغداد.
في منتصف شهر صفر من سنة مائتان وأربعه من الهجره، وكان معظم أعوان المأمون من الفرس، ومعظمهم من الشيعة، ولهذا اضطر المأمون لممالأه الشيعة وكسبهم إلى جانبه، فأرسل إلى زعماء العلويين أن يوافوه فى عاصمته، وكانت مدينة ” مرو ” فى ذلك الوقت، فلما جاءوه أحسن استقبالهم، وأكرم وفادتهم، وكان الوزير الفضل بن سهل قد استولى تماما على المأمون وحجبه عن الناس وحجب الناس عنه وعزل كل الأخبار عنه، وكان غرضه من ذلك إسقاط الخلافة العباسية وإسنادها للطالبيين إذ كان من الشيعة المغالين، وفي سنة مائتان وواحد من الهجره، استطاع الفضل بن سهل أن يقنع المأمون أن يجعل ولاية العهد من بعده للإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق الإمام الثامن عند الإمامية الاثني عشرية، ولقبه بالرضا من آل محمد.
وكتب بذلك إلى سائر أنحاء المملكة، وهى خطوة جريئة، لأن فيها نقلا للخلافة من البيت العباسى إلى البيت العلوى، ولم يكتفي بهذا، بل خلع السواد شعار الدولة العباسية ولبس الخضرة مكانها وهي شعار العلويين، ورغم اعتراض أقاربه من العباسيين، فإن المأمون كان مصرا على هذا الأمر، إذ كان يعتقد أن ذلك من بر علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وجاءت عمة أبيه زينب بنت سليمان بن على، وكانت موضع تعظيم العباسيين وإجلالهم، وسألته، ما الذى دعاك إلى نقل الخلافة من بيتك إلى بيت على؟ فقال يا عمة، إنى رأيت عليّا حين ولى الخلافة أحسن إلى بنى العباس، وما رأيت أحدا من أهل بيتى حين أفضى الأمر إليهم، وصل إليهم، كافأه على فعله، فأحببت أن أكافئه على إحسانه، فقالت يا أمير المؤمنين إنك على بر بنى علىّ والأمر فيك، أقدر منك على برهم.
والأمر فيهم، وهذه الأمور كلها جعلت الفترة من مائة وثمانية وتسعين حتى سنة مائتين واثنين من الهجره، كلها اضطرابات عليه وعلى خلافته، وحينما بلغ الخبر العراق نقم أهل بيته والناس وهاجوا وثاروا، ورفضوا مبايعة علي الرضا وخلعوا المأمون وبايعوا عمه إبراهيم المهدي خليفة عليهم، وتضيف الرواية أن أخبار هذه الفتنة لم تصل إلى المأمون وأن الفضل بن سهل كان يتعمد إخفاءها، ولم ينتبه المأمون للخطر المحدق به إلا بعد أن تجرأ علي الرضا ولي عهده على إخباره بأمر هذه الفتن، عندئذ خرج المأمون من مرو متجها نحو مدينة طوس، وفي طريقه إليها قتل وزيره الفضل بن سهل وهو في الحمام بمدينة سرخس، وحينما بلغ طوس مات ولي عهده علي الرضا من جرّاء اضطراب في الجهاز الهضمي، فدفن في طوس في جوار هارون الرشيد.