أبو عبد الله محمد النفس الذكية

الدكروري يكتب عن أبو عبد الله محمد النفس الذكية

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

أبو عبد الله محمد النفس الذكية

أبو عبد الله محمد النفس الذكية، هو محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو محمد الملقب بالنفس الذكيه، وقد ولد بالمدينة المنوره سنة مائه من الهجرة، ويكنى أبا عبدالله، وقيل أبا القاسم، وأمه هند بنت أبي عبيدة بن عبدالله بن زمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وكان جم الفضائل كثير المناقب، وذا همة سامية، وسطوة عالية وشجاعة باهرة، وكان كثير الصوم والصلاة، وشديد القوة وكان رجلا شديد السمرة في وجهه الجدري ضخما، وفي لسانه تمتمة، وبين كتفيه خال أسود كالبيضة، وكان أفضل أهل بيته ويسمونه المهدي وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه النفس الزكية.

وكان يرى رأي الاعتزال، نهاية في العلم والزهد وقوة البدن، وكان هو وأخوه إبراهيم يلزمان البادية ويحبان الخلوة، ولايأتيان الخلفاء ولا الولاة، ولما بويع لبني العباس إختفى محمد وأخيه إبراهيم مدة خلافة السفاح، فلما صارت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور خاف محمد بن عبد الله بن الحسن وأخوه إبراهيم منه خوفا شديدا، وذلك لأنه توهم منهما أن يخرجا عليه، والذي خاف منه وقع فيه، ولما خافاه ذهبا منه هربا في البلاد الشاسعة، فصارا إلى اليمن ثم سارا إلى الهند، ثم تحولا إلى المدينة فاختفيا بها ثم خرجا عليه من سويقة المدينة وهى سويقة الثائرة.

وقد جد المنصور في طلبهما، فخرج أخوه إبراهيم إلى البصرة، وقتل بباخمرا قرية الكوفة، وأما محمد النفس الزكية، خرج بالمدينة فندب لحربه المنصور ابن عمه عيسى بن موسى بن محمد العباسي، فأقبل عيسى حتى أناخ على المدينة وكتب إلى كبراء أهلها يستميلهم ويمنيهم، فتفرق عن النفس الزكيه الكثير وبقى معه القليل وكان الإمامان أبوحنيفة ومالك من انصاره، وكانت بداية الدعوة العباسية بيد أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، ولم يكن له عقب، فصرف الدعوة وأتباعها إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.

وعندما نجحت الدولة العباسية في الإطاحة بالدولة الأموية وجد الطالبيون أن الدولة قد أصبحت عباسية محضة، فبدؤوا في المطالبة بحقهم في الحكم، ولكن لم يظهر منهم شيء خلال حكم الخليفة العباسي الأول الملقب بالسفاح، فلما مات وتولى مكانه أبو جعفر المنصور بدأ العمل الطالبي بقيادة محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المشهور بالنفس الزكية لعلمه وورعه، وعبادته وزهده، وكان يلقب بصريح قريش لأن أمه وجداته كلهن عربيات لم تكن واحدة منهن من الجواري، كما كان بطلا شجاعا، فارسا شديد الهيبة في قلوب الناس.

وقد ظن الناس في بداية الدعوة العباسية أن محمدا هذا هو إمام الدعوة، بل إن كثيرا من الناس قد بايعوه في أواخر أيام الأمويين، بل كان أبو جعفر المنصور نفسه ممن بايعه، وقد امتنع محمد وأخوه إبراهيم عن مبايعة المنصور، فألح في طلبهما المنصور، وعزل والي المدينة بسبب تساهله في ذلك، وعيّن مكانه أعرابيا غليظ القلب، فأخذ أسرة محمد وآل الحسن كلهم فحبسهم في السجون، وأخذ في تعذيبهم، حتى هلك الكثيرون منهم تحت وطأة التعذيب، ومع ذلك ظل محمد وأخوه إبراهيم متواريين عن الأنظار حتى استعمل المنصور مع محمد الخداع والمكر.

فأرسل له بالرسائل المزورة على لسان قادة جيش المنصور يبايعون فيها النفس الذكية، فانخدع محمد بهذه الرسائل، وبعد رحلة طويلة من الاختفاء والألم النفسي لما أصاب أسرته وعشيرته، وتحت ضغط الأتباع، أعلن محمد النفس الزكية عن دعوته في جمادى الآخرة، وسيطر على المدينة، وأخذ البيعة من أهلها بالمسجد النبوي، في حين اضطر أخوه إبراهيم للإعلان هو الآخر بدوره في البصرة، وقد أرسل المنصور جيشا كبيرا إلى المدينة فاستشار محمد النفس الزكية أصحابه فأشاروا عليه بالبقاء في المدينة، وعمل خندق حولها مثلما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب.

وأشار بعضهم بالذهاب إلى مصر حيث الأموال والرجال، وأنصار آل البيت وكان هذا هو الصواب، ووصل جيش المنصور إلى المدينة، وضرب عليها حصارا شديدا، ثم أخذ في مكاتبة قادة النفس الزكية وإغرائهم بالمال والمناصب، وبالترغيب والترهيب، استطاع المنصور صرف كثير من أتباع الحركة عنها، ثم دارت مفاوضات مع قائد الحركة محمد النفس الزكية انتهت بالقتال يوم الاثنين الرابع عشر من رمضان عام مائه وخمسه وأربعين من الهجره، وقد ثبت محمد في القتال ومعه الأبطال الشجعان الذين يقدر الواحد منهم بالمئات.

ومن شدة القتال قتل محمد بنفسه سبعين رجلا من جيش المنصور، ثم سقط قتيلا في النهاية، وبمقتله فشلت الحركة التي قامت على شخصيته، فانتهت بالتالي بمقتله، وقد أشار بعضهم عليه بالانسحاب إلى مكة قبل القتال فرفض أن يترك أهل المدينة يواجهون المعركة لوحدهم، فحمل سيفه ونزل ساحة القتال يدافع بشجاعة نادرة، حتى لقي حتفه على يد رجل يدعى قحطبة بن حميد الذي فصل رأسه بسيفه، وقدمه إلى عيسى بن موسى الذي أرسله بدوره إلى المنصور، والذي أمر بأن يُطاف به في شوارع الكوفة، ولم يكتفي الجيش العباسي بقتل النفس الزكية.

بل أحدث مجزرة رهيبة في صفوف إبناء الحسن عليه السلام والمخلصين من أتباعهم، فقتلوهم، وصلبوهم، وعلقوا جثتهم لثلاثة أيام، حتى ضج الناس بالشكوى، فخاف عيسى من ردّة الفعل، فأمر بإلقاء الجثث في مقابر اليهود، وقد أعقب محمد النفس الزكية عشرة رجال، وخمس بنات، وقد أختلف في عمره عند مقتله فقال جماعة ثلاث وخمسون سنة، وقال آخرون خمس وأربعون سنة، والصحيح أنه قتل وعمره خمس وأربعون سنة، رحم الله محمد بن عبدالله الملقب بالنفس الزكية.