الأحكام الفقهية للصيام ” جزء 18″

الدكروري يكتب عن الأحكام الفقهية للصيام ” جزء 18″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الأحكام الفقهية للصيام ” جزء 18″

ونكمل الجزء الثامن عشر عن الأحكام الفقهية للصيام، ولذلك يحرم منع الحمل خوفا من الفقر، فقال الله تعالى ” ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا” كما يحرم على المسلم استئصال القدرة على الإنجاب سواء عند الرجل، أو المرأة، إلا إن تحقق ضرر مؤكد بسبب الإنجاب، مع إباحة تناول حبوب منع الحمل لضرر ما، بموافقة الزوج إن كانت الزوجة لا تستطيع الحمل والولادة كل سنة، على أن يكون المنع بوسيلة مشروعة لا يلحق بالزوجة أى ضرر بسببها، وأن يكون بقرار طبيب موثوق، ومن الأحوال التى يجوز للمرأة أن تتناول حبوب منع الحمل فيها تناولها لمدة سنتين لإتمام رضاعة ولدها وبذلك فالإسلام يجيز منع الحمل فى ظروف وأحوال خاصة فيباح في حال كان الرجل كثير الأولاد، أو كانت المرأة ضعيفة، أو كان الرجل غير قادر على تربية أبنائه.

وأما عن حكم تناول حبوب منع الحمل بقَصد تأخير الحيض فى رمضان، فإنه تتعدد المقاصد التى يتم تناول حبوب منع الحيض لتحقيقها، ومنها المحافظة على صحة الطفل أو الأم، أو تنظيم الحمل، أو بقصد إتمام مناسك الحج أو العمرة، أو بقصد تحقق الحيض، فإن كان بهدف نزول دم الحيض في رمضان للإفطار فيه، فلا يجوز تناول تلك الحبوب؛ إذ إن في ذلك تحايل على أحكام الشريعة، أما حكم تناول المرأة حبوب منع الحيض فى رمضان، فإن أهل الفقه فى هذه المسألة على قولين، وبيانهما، أن القول الأول، أنه يجوز تناول حبوب منع الحيض في رمضان، بشرط عدم لحوق أى أذى، أو ضرر بالمرأة بسبب ذلك سواء في شهر رمضان، أو غيره من الأزمان، وقد أفتى بذلك الإمام ابن باز، وعدد من مجامع الإفتاء المعاصرة، وبناء على ما سبق.

يجوز للمرأة تناول حبوب تأخير الحيض في شهر رمضان، على ألا يترتب أى ضرر على ذلك لما فيه من مصلحة للمرأة من الصيام مع الناس، وعدم الإفطار ثم القضاء، كما صرح بذلك الإمام ابن باز رحمه الله، ويضاف إلى شرط عدم ترتب أى ضرر على المرأة، أن يتم تناولها بإذن الزوج إن ارتبط الحيض بأى أمر يخصه، ومثال ذلك المرأة التى تعتد بالحيض، فإنه لا يحق لها تناول ذلك الدواء إلا بإذن الزوج فهى لو تناولته، لاستمرت العدة مدة طويلة، مما يرتب على الزوج بذلك السكن، والنفقة مدة أطول، وأما القول الثانى، فإنه يكره للمرأة تناول حبوب تأخير الحيض في رمضان لتصوم مع المسلمين، إذ إن الحيض أمر كتبه الله تعالى على المرأة، وعليها أن ترضى به، كما أخرج الإمام البخارى فى صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت.

“خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا نسرف حضت، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أبكى، قال، ما لك أنفست؟ قلت نعم، قال ” إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضى ما يقضى الحاج، غير أن لا تطوفى بالبيت” قالت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على نسائه بالبقر” كما أن تلك الحبوب قد تؤثر في الحيض في المستقبل، وحال الامتناع عنها بعد مُضى رمضان، ومن القائلين بالكراهة الإمام ابن رشد رحمه الله، إذ كره ذلك خوفا من التسبب بأى ضرر للمرأة، وإن تناولتها، وانقطع الحيض، وصامت، فصيامها صحيح، كما بينت ذلك دائرة الإفتاء الأردنية، مع جواز تناول تلك الحبوب فى الحج لأنه من العبادات التي تؤدى مرة واحدة فى العمر، والحيض يمنعها من الطواف الذى يعد ركنا من أركان الحج، ولا يمكن إجزاؤه بأى طريقة أخرى.

أما الإفطار في رمضان بسبب الحيض، فيمكن قضاؤه، كما أنه يتكرر كل عام، وتجدر الإشارة إلى أن المرأة الحائض تنال الأجر إن أفطرت في شهر رمضان بسبب عذر شرعى إذ إنها بفطرها تستجيب لأمر الله تعالى، وما قدَّره عليها، وإن المتأمل فى حِكم الصيام ستقابله حكم جليلة, وأسرار شريفة, لأجلها أمر المولى عباده أن يمتنعوا عن مأكلهم ومشربهم وشهواتهم، فالصوم في بادئ الأمر عبادة, وإنما تنال الجنة بالطاعة, وإنما يتمايز الناس بتعبدهم لرب البريات, وبكسبهم للحسنات, ومع هذا فالصوم مع ما فيه من بعض المشقة والصعوبة إلا أن الله لم يُرد بفرضه على العباد إلا اليسر, وليس فى شرع الله عسر، وإن مشقة الصيام محتملة, وهي ليست مقصودة لذاتها, وإنما هى ثمن قليل يدفعه الصائم لنيل عوض كبير, ولن يبلغ المرء جنة ربه إلا على جسر من المشقة.