الدكروري يكتب عن الأحكام الفقهية للصيام ” جزء 19″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الأحكام الفقهية للصيام ” جزء 19″
ونكمل الجزء التاسع عشر عن الأحكام الفقهية للصيام، وفى هذا يقول ابن القيم “قد استقرت حكمته سبحانه أن السعادة والنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسر المشقة والتعب، ولا يدخل إليها إلا من باب المكاره والصبر، وتحمل المشاق، ولذلك حف الجنة بالمكاره، والنار بالشهوات” ويقول “ولذة الدنيا والآخرة ونعيمها، والفوز والظفر فيهما، لا يصل إليه أحد إلا على جسر الصبر، والسيادة فى الدنيا والسعادة فى العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب, فحق للصائم أن يصبر على شدة صومه, وليعلم أن الأجر على قدر المشقة والنصب, وأن تعب يومه سيذهب عند فطره, ومشقة صومه ستزول عند لقاء ربه، فإن من أفضل الأعمال الصالحة وأجلها عند الله تعالى الصيام، فقد رغّب فيه الشرع وحث عليه، وجعله أحد أركان الإِسلام العظام، وأخبر جل وعلا أنه لا تستغنى عنه الأمم لما فيه من تهذيب الأخلاق.
وتطهير النفوس، وحملها على الصبر، فالصيام فرض مكتوب, وركن من كل مسلم مطلوب, والصيام في أصله ليس باليسير, وهو فى الصيف أكثر مشقة, حيث طول النهار وحرارة الجو, ومع هذا فاليقين المستقر لدى كل مسلم أن الله لا يأمر بشيء إلا لحكمة, وأنه سبحانه قال في آيات الصيام كما جاء فى سوررة البقرة ” يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” وكم يجمل بنا ونحن فى زمن النهار الطويل أن نتأمل في حكمة أمر الله بالصيام, لينشط المرء, وينشرح المسلم وهو يؤدي هذه العبادة الجليلة؟ وعبر بوابة الصيام نتعلم الصبر والإرادة, وفي مدرسة رمضان نتربى على الأخلاق والخصال الفاضلة, ننهل من معينها التقوى, نقرب فيها من المولى نتقلب في أبواب خير, وطرق طاعة، فاسعد بصومك, واستبشر أن بلغك ربك شهرك, وافرح حين فطرك.
ويعدّ صيام شهر رمضان فرضا على كل مسلم مكلف قادر، وركن من أركان الإسلام الخمس، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” بنى الإسلام على خمس، شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان” ويحرَّم على المسلم الإفطار دون عذر، ويجب فى أعذار أخرى، كالحيض، والنفاس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أليس إذا حاضت لم تصلى ولم تصم قلن، بلى قال ” فذلك نقصان فى دينها” فلا يصحّ الصيام من الحائض أو النفساء، ويجب عليهما الفطر، ثم القضاء، ويعرف الحيض بأنه الدم الخارج من الرَّحم في أوقات محددة معلومة، وهو يدل على بلوغ الأنثى، أما النفاس، فهو الدم الخارج من المرأة بسبب الولادة إما قبلها بزمن يسير، أو خلالها، أو بعدها.
وإن الصيام فى اللغة هو الإمساك، وشرعا هو التعبد لله عز وجل بالإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولكن ما حكم صيام شهر رمضان؟ وهو أن صيام رمضان فريضة فرضها عز وجل على عباده، يدل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” وأما من السنة فقد روى البخارى ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال”بني الإسلام على خمس، شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان” وأجمع المسلمون على فرضية صومه، فمن أنكر فرضيته فهو مرتد، ولكن ما هى شروط الصوم؟
فإنه يجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم، ولكن متى يجب عقد النية لصوم رمضان؟ فإنه يجب أن ينويه قبل طلوع الفجر، فإن لم ينو حتى طلع الفجر فصيامه باطل، يدل على ذلك ما جاء عند مالك والنسائى من حديث ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال “لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر” بخلاف النية لصيام التطوع فتصح من النهار، لما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة رضي الله عنها فسألها هل عندها شيء؟ قالت لا، فقال صلى الله عليه وسلم “إني إذاً صائم” ولكن هل يكفى لرمضان نية واحدة فى أوله أم لا بد من تعيينها كل ليلة؟ فإن الصحيح أن نيته أول الشهر كافية، فلا يحتاج لتعيين النية لكل ليلة، إلا أن يوجد سبب يبيح الفطر فيفطر في أثناء الشهر، فحينئذ لابد من نية جديدة لاستئناف الصوم.