الدكروري يكتب عن رمضان شهر القرآن الكريم ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكــروري
رمضان شهر القرآن الكريم ” جزء 1″
إن القرآن الكريم هو الذى بعث الروح فى الجيل الأول، والقرآن الكريم هو الذى أحيا هذه القلوب بعد موتها، والقرآن هو البصيرة التى كانوا ينظرون بها فهو شمس إذا أشرقت فى القلب لا تأفل بعد ذلك أبدا، فكما أن للعين نورا تبصر به، فكذلك القلب يبصر بالقرآن، وإذا وقر القرآن فى القلب، أزال الغشاوة وسكب النور، وحرك المشاعر وأخلص الضمير، فتفعل كل آية يعيها ذلك القلب كفعل عصا موسى عليه السلام حين يضرب بها فتتفجر العيون والأنهار، وإن القلوب ثلاثة كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله، قلب ميت لا ينتفع بذكرى، وقلب حى لكنه غائب غير مستعد، وقلب حي مستعد وشاهد، فالأخير يرى ما لا يراه غيره، وإن المتابع لشأن الصحابة الكرام فى جاهليتهم، وكيف كانوا يئدون البنات، ويعبدون أصناما يصنعونها بأيديهم.
ويظلم بعضهم بعضا لَيقف عاجزا عن فهم تلك النقلة التى حصلت في حياتهم، فطوعت تلك القلوب القاسية والنفوس الشديدة إلى قلوب رحيمة رقيقة خاشعة، ربما يجد البعض تبريرا بكونهم صاحبوا النبى صلى الله عليه وسلم، وهذا أثر صحبته عليه الصلاة والسلام، فهذا قد ينطبق على المهاجرين، أما الأنصار فإنهم آمنوا قبل هجرة النبى صلى الله عليه وسلم رغم وجود العداوات بينهم وهم الأوس والخزرج، ولا تفسير لتغير أحوالهم، إلا بما كان مع مصعب بن عمير سفير النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حينها، فقد كانوا يسمونه بالمقرئ، وهذا فيه دلالة على أن مصعبا رضى الله عنه كان دائم الدعوة بالقرآن، وقد جاء فى السيرة أن مصعب بن عمير وأسعد بن زُرارة كانا جلوسا فدخل عليهم أسيد بن حضير يريد شرا، وكان لم يُسلم بعدز
فما زاد أن قرأ مصعب عليه القرآنَ فأسلم، وهكذا فإن الخطوة الأولى هى أن تسمح للقرآن بالدخول في قلبك، فقلبك هو الملك، ولا يؤثر فيه إلا القرآن، وإن القرآن قرية صغيرة لا حدود للزمان ولا للمكان فيها ففيها خطاب آدم عليه السلام، وفيها ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم، وما بينهما من الأنبياء، فى مساحة لا حدّ لها ولا يحويها زمن، بطريقة مقنعة تخاطب العقل والوجدان، فإذا اقتنع ذلك العقل، أرسل برسائله إلى القلب، فتحوّلت تلك القناعة العقلية إلى رضا قلبى، وهو أول درجات الإيمان، فتبدأ تلك المشاعر بإحداث عبودية للقلب ما عرفها قبل القرآن، فمشاعر الحب تولد عبودية الشكر للقلب، ومشاعر الحياء تولد عبودية المراقبة للقلب، ومشاعر الخوف تولد عبودية التقوى للقلب، ومشاعر الرغبة والطمع تولد عبودية الإنابة للقلب، ومشاعر العجز والانكسار.
تولد عبودية الاستسلام والخضوع للقلب، ومن هنا نفهم علاقة القرآن بالقلب، وحاجة القلب الدائمة إلى الارتواء من هذا المعين الذى لا ينضب، فقال تعالى كما جاء فى سورة فاطر ” إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور” وقد جاء بعبارة يتلون، وهى تدل على الاستمرارية لحاجة القلب إلى ذلك العطاء وباستمرار دون انقطاع، فإذا اقتنع العقل ورضى القلب وحصلت الطمأنينة، انتقل المسلم فى أهم حدث في سيره إلى الله وفى منعطف محورى إلى ولادة ثانية فيولد من جديد، وقد قال ابن القيم رحمه الله ” فللروح في هذا العالم نشأتان، إحداهما النشأة الطبيعية المشتركة، والثانية نشأة قلبية روحانية يولد بها قلبه وينفصل عن مشيمة طبعه، كما وُلد بدنه وانفصل عن مشيمة البطن” حينها نفهم.
كيف أن الصحابة الكرام انتقلوا تلكم النقلات، فتنزل عليهم قول الله تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” فيتصدقون بأحب شيء إليهم، وتنزل عليهم الآيه الكريمه فى سورة البقرة ” من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا” فتجود أنفسهم بأطيب ما يملكون، وعن أبو هريرة رضي الله عنه قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضى بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولى، قال بلى يا رب، قال فماذا عملت فيما علمت، قال كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله له كذبت، وتقول الملائكة له كذبت، فيقول الله عز وجل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل.