الدكرورى يكتب عن منهيات شهر رمضان ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
منهيات شهر رمضان ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع منهيات شهر رمضان، وأعان العباد فيه على الصيام بتصفيد مردة الجان، ولله في كل ليلة عتقاء من النار، ففتح الباب الكريم الوهاب، وقال أيها العبد هلم يا باغى الخير أقبل، ويا باغى الشر أقصر، فهذا الصيام مدرسة عظيمة، فنتعلم منها أمورا كثيرة، فنصوم لله تعالى إخلاصا له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، هذا الدرس العظيم الذى ينبغى أن تنسحب فيه سائر الأعمال على الصيام، فى الإخلاص لله، نتعلم فيه الاستجابة له، فقال تعالى ” استجيبوا لله وللرسول ” فقد دعانا للصيام وفرضه علينا، وقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ” أى فرض عليكم الصيام وأخبرنا أنا لسنا الوحيدين في هذا الطريق فقد مضت أمم من قبلنا عليه فقال تعالى ” كما كتب على الذين من قبلكم ” وأخبرنا أنه لم يفرضه علينا لكي نجوع ونعطش ونتعذب بترك الشهوات.
ونُحرم منها وإنما لأجل التقوى فقال ” لعلكم تتقون” وهذه الاستجابة والانقياد لله تحيي قلوبنا لأنه قال ” إذا دعاكم لما يحييكم ” وهى حياة القلب بها، سواء كنا فى الصيف أو الشتاء نصوم، تعلقنا بهذه الأشياء بشدة أم لا نمسك، نطيع، نحن عبيد مربوبون، وهو القهار ربنا، فوقنا يأمرنا فنطيع، وينهانا فنمسك، ومعنى الصيام فيه شيء عظيم في التعبد بالترك، فإن العبادات في مجملها على الفعل، فعل أنت تأتى به، فالصلاة فيها قيام، وركوع، وسجود، وأذكار، وتلاوة، وأفعال، والزكاة إعطاء، والحج طواف، وسعى، ورمي، وهكذا، الصيام ترك، تترك فيعلمك كما تعمل لله أن تترك لله، وكثير من الناس يحسن أن يعمل، ولا يحسن أن يترك لأن نفسه تغلبه وشهوته قوية، فعندما يقول له اترك لله طعامك وشرابك وشهوتك، فيعلمه معنى الترك لله كما تعلم العبد معنى الفعل لله.
ثم يا مسلم سواء كان صيفا أو شتاء، سواء كان النهار طويلا أو قصيرا، سواء كنت فى نصف الكرة الشمالى أو الجنوبى، فإنك تطيع الله فى جميع الأحوال، وتربية العبد المكلف على الطاعة فى سائر الأحوال، وأينما كان في كل مكان وزمان، مهما طال الوقت، أو اشتد الحر في الحقيقة تربية عظيمة، فإذن معنى الصيام هو الطاعة والاستجابة لله، وقد ضرب الصحابة الأمثلة العظيمة فى ذلك، فلما قال لهم في الخمر ” فهل أنتم منتهون” سكبوها، ولما كان بعضهم يصلى، فدعاه النبى صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية استجيبوا فكان ليقطع صلاته لأجل هذه الاستجابة، ولما أعطى النبى صلى الله عليه وسلم الإمام علي الراية قال امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، سار علي شيئا، ثم خطر بباله سؤال، وتذكر قوله ولا تلتفت، فنادى بأعلى صوته يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟
ومضى، لم يكن الامتثال والاستجابة خاصة بالرجال في هذا المجتمع المبارك بل كانت تعم النساء أيضا، فلما نزلت آية الحجاب شقق نساء الأنصار مروطهن فاختمرن بها، خرجن معتجرات إلى المسجد كالغربان لا يعرفن، وهكذا، لما قال “اجلسوا” وكان الصحابى على باب المسجد فجلس هناك، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل مسلم بكتابة وصية قال ابن عمر ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وعندى وصيتى، ولما زوج معقل بن يسار أخته لرجل من الصحابة فطلقها، ثم ندم فجاء يخطبها بعد انتهاء عدتها، فحلف أن لا يردها إليه غضبا، فلما أنزل الله تحريم العضل، وأن على الأولياء أن يردوا الزوجات إلى أزواجهن، قال سمعا لربي وطاعة، ثم دعاه وقال له أزوجك وأكرمك، ولما قال النبى صلى الله عليه وسلم لجابر بن سليم” لا تسبن أحدا”
قال فما سببت بعده حرا، ولا عبدا، ولا بعيرا ولا شاة، ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا عن خاتم ذهب في يده فطرحه فقيل له خذه انتفع به، قال لا والله لا آخذه أبدا، وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كما قال تعالى ” إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا” فإن هذا الصيام مدرسة نعلم فيه أنفسنا وأولادنا، وتتعلم فيه الأحكام الدقيقة، وتعرف فيه أن الصغير إذا بلغ، والحائض إذا طهرت، والمسافر إذا رجع، والمريض إذا عوفي مكلفون بالأصل، وكان إفطارهم لعذر، فلما زال العذر رجعوا، فتلحظ الفروق الدقيقة في هذا المسائل، يعلمك جمع القلب على العزم وهى النية، وأن تكون في الليل، ويربط لك الحكم بآية واضحة وبرهان جلى من خلقه في كونه، فيربط الصيام برؤية الهلال، وهى آية كونية مرئية للمثقف والأمى.