الأمة الإسلامية والحفاظ على هويتها ” جزء 10″

الدكرورى يكتب عن الأمة الإسلامية والحفاظ على هويتها ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء العاشرة مع الأمة الإسلامية والحفاظ على هويتها، وإذا كان هذا الحرص على الهوية بين الدول الغربية من بعضها على ما بينها من تقارب واتفاق، فما بالنا بمدى خوفهم على هويتهم جميعا من الهوية الإسلامية المخالفة لهم قلبا وقالبا؟ وليس خوف الغرب من الهوية الإسلامية، واحتدام الصراع بين الحضارتين، بالأمر الجديد المحدث، وإنما هو أمر قديم وقيل إن الصراع على طول خط الخلل بين الحضارتين الغربية والإسلامية يدور منذ الف وثلاثة مائة سنة، والأمر المثير للعجب أن الهوية الإسلامية كانت تنتصر على الهويات المصارعة لها، سواء أكانت الهوية الإسلامية في حالة قوة أم في حالة ضعف، وهذه الحقيقة التاريخية هي التي تجعل قادة الغرب المعاصرين يتخوفون من الإسلام أشد التخوف.

وإنه تعتبر هذه الخصيصة هي الأساس الذي تقوم عليه هويتنا الإسلامية، فليس الولاء عندنا للجنس ولا للون ولا للأرض، وإنما الولاء للإسلام، وليس معنى هذا أن الإسلام يمنع حب القَوم والوطن، بل إن الإسلام يحث عليه ويرحب به، وهنا يظهر الفرق بين حب ذي العقيدة الصحيحة لقومه ووطنه، وحب أدعياء القومية والوطنية، فالمسلم الصحيح يعتبِر حدود الوطنية بالعقيدة، والقوميون والوطنيون يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية، وإذا كانت مهمة أدعياء الوطنية والقومية المجردين عن العقيدة يرون مهمتهم عند حدود تحرير الوطن واسترداد مجده، فإن أصحاب الهوية الإسلامية يرون ذلك بعض الطريق أو مرحلة من مراحله، ويبقى عليهم بعد ذلك.

أن يعملوا لترفع راية الوطن الإسلامي على كل بقاع الأرض، ويخفق لواء المصحف في كل مكان، ولعل هذا الجمع بين الولاء للعقيدة والانتماء والحب للقوم والوطن، يعد من البدائع التي وفق بها الإسلام بين أمرين قد يبدوان متناقضين، فالأمر الأول هو إذابة كل الأعراق والأجناس والانتماءات في رسالة واحدة، وهي الإسلام، والأمر الثاني هو عدم إلغاء انتماء الأفراد والجماعات للقبائل والأجناس واللغات، فهذا عربي وهذا بربري، لهم لغاتهم وأصولهم، ولكن كل ذلك في إطار الإسلام والتفاضل بالتقوى، وكونها عقيدة صادقة جعلها تغرس في نفوس أبنائها حب الجهاد والشهادة، والاستعلاء على الخضوع للغزاة المحتلين، ويعتبر هذا الأمر من أخوف ما يخافه الأعداء.

لذا نجدهم دائما حريصين على تغيير مسار الثورات في عالمنا الإسلامي من اتجاهها الإسلامي إلى اتجاهات قومية أو وطنية، وما ذلك إلا لعلم المستعمر أنه لا يستطيع احتواء الإسلاميين لأن الأمر عندهم لا يعدو أحد غايتين النصر أو الشهادة، أما القوميون والوطنيون فيمكن احتواؤهم بشيء من الوعود الكاذبة أو المعاهدات الخادعة، ولقد كان تأثير الهوية الإسلامية في الهويات الأخرى، بل وإذابتها لها، وصهر أصحابها في بوتقة الإسلام في حالة انتصار الإسلام وقوته من الأمور العادية انطلاقا من قاعدة تأثر المغلوب بالغالب، فالعجيب أن تصهر في بوتقتها الهويات الأخرى، والمسلمون في حالة تراجع وانهزام، وهذا ما حدث بالفعل في الحروب الصليبية الأولى، وفي حروب التتار والمغول.

حتى تحول الغزاة الوثنيون إلى مسلمين، يحملون راية الإسلام، ويمكنون له في الأرض، وهذه الظاهرة أدركها الغرب المعاصر، ومن ثم وضع من الترتيبات والتدابير ما يحصن به العقل الغربي حينما يغزو بلاد الإسلام من الوقوع فيما وقع فيه السابقون، وهل كان الاستشراق إلا وسيلة من وسائل هذا التحصين الفكري للعقل الغربي، وأن الهدف الأهم من وراء الاستشراق هو إقامة حصن ثقافي قوي، تتحصن به الهوية الغربية إذا ما هجمت على دار الإسلام حتى تتفادى السقوط القديم في التأثر بالفكر الإسلامي، ولم يقف خوف الغرب من الهوية الإسلامية عند القادة الثقافيين الفكريين، بل جاءت عبارات القادة السياسيين والعسكريين تبيّن مدى خوف هؤلاء أيضا من الهوية الإسلامية.