الدكروري يكتب عن الإمام الزبير بن بكار
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الإمام الزبير بن بكار
الإمام الزبير بن بكار هو العلامة الحافظ النسابة قاضي مكة وعالمها، أبو عبد الله بن أبي بكر بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي الزبيري المدني المكي، ولد في المدينة المنورة سنة مائة واثنين وسبعين من الهجرة، وكان الزبير بن بكار علامة نسّابة أخباريا، ثقة جليل القدر، وعُرف بالفضل منذ نعومة أظفاره، قال فيه عمه مصعب الزبيري “إن بلغ أحد منا فسيبلغ” يعني الزبير بن بكار، وقد بلغ مبلغا عظيما فيما بعد، حتى أصبح أحد أساطين الرواية في القرن الثالث للهجرة، وأحد الحفاظ المتفننين للأخبار عامة، وكانت رواياته عمدة للناس في زمانه وبعد زمانه لِما امتاز به من التقصي والجمع والإحاطة، وقلّ أن يخلو كتاب قديم في التاريخ والأدب من رواية مستفيضة عن الزبير بن بكار
وهو من مشاهير العلماء والأدباء في العصر العباسي، وحامل علم المدائني في التاريخ، وكان حافظا عالما بالأنساب وأخبار الرجال المتقدمين، ولاسيما أخبار أهل الحجاز، وكان مؤدب ولد محمد بن طاهر بن عبد الله حينا، وتوفي وهو قاضي بمكة سنة مائتان وست وخمسين من الهجرة، وقيل سنة مائتان وثماني وخمسين من الهجرة، وعمره أربع وثمانون سنة، وقد عدّ له ابن النديم واحد وثلاثين كتاب، بعضها في التاريخ وبعضها في الأدب، من أشهرها هو جمهرة أنساب قريش وأخبارها وهو مطبوع، وكتاب الموفقيات وهو مطبوع وأخبار العرب وأيامها، وهو مطبوع، وسمع من سفيان بن عيينة وأبي ضمرة الليثي والنضر بن شميل وابن أبي فديك وذؤيب بن عمامة وعبد الله بن نافع الصائغ وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، وعلي بن محمد المدائني ومحمد بن الحسن بن زبالة.
ومحمد بن الضحاك بن عثمان وإبراهيم بن المنذر، ومصعب بن عبد الله الزبيري عمه، وخلق سواهم، وحدث عنه ابن ماجه في سننه، وأبو حاتم الرازي، وعبد الله بن شبيب الربعي، وأبو بكر بن أبي الدنيا، ومحمد بن أبي الأزهر، وحرمي بن أبي العلاء المكي واسمه أحمد بن محمد والقاضي أبو عبد الله المحاملي وإسماعيل بن العباس الوراق ويوسف بن يعقوب الأزرق، وحدث في أواخر أيامه ببغداد، وهو مصنف كتاب نسب قريش، وهو كتاب كبير نفيس، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم أدركته ورأيته ولم أكتب عنه، وقال الدارقطني هو ثقة، وروي عن السري بن يحيى التميمي، قال لقي الزبير بن بكار إسحاق بن إبراهيم الموصلي فقال له إسحاق يا أبا عبد الله عملت كتابا سميته كتاب النسب، وهو كتاب الأخبار، فقال وأنت يا أبا محمد عملت كتابا سميته كتاب الأغاني وهو كتاب المغاني .
وقال الحسين بن القاسم الكوكبي لما قدم الزبير بن بكار بغداد قال أبو حامد المستملي عليه من ذكرت يا ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعجبه، وروى محمد بن عبد الملك التاريخي قال أنشدني ابن أبي طاهر لنفسه في الزبير بن بكار ما قال لا، قط إلا في تشهده ولا جرى لفظه إلا على نعم، وعن الزبير بن بكار قال، قالت بنت أختي لأهلنا خالي خير رجل لأهله لا يتخذ ضرة وسرية، قال تقول المرأة والله هذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر، وقال محمد بن إسحاق الصيرفي سألت الزبير منذ كم زوجتك معك ؟ قال لا تسألني ليس ترد القيامة أكثر كباشا منها، ضحيت عنها سبعين كبشا، وقال أبو بكر الخطيب كان الزبير ثقة ثبتا عالما بالنسب وأخبار المتقدمين، وله مصنف في نسب قريش، والزبير بن بكار قد أولاه الخليفة المتوكل رعاية خاصة، فعيّنه قاضيا على مكة المكرمة سنة مائتان واثنين وأربعين من الهجرة.
ولكن يبدو أن نشاط الحياة العقلية في دار الخلافة كان أكثر اجتذابا له، فكان يرجع مرارا إلى حاضرة الإسلام وهي بغداد بين سنتي مائتان واثنين وأربعين ومائتان وثلاث وخمسين للهجرة، ويتنقل بينها وبين مكة والمدينة لملاقاة العلماء، ولتدريس مصنفاته في حلقات بغداد، وقد طلبه الخليفة المتوكل لتأديب ولده طلحة الملقب بالموفق، وأمر له من أجل ذلك بعشرة آلاف درهم، وعشرة صناديق ثياب، وعشرة بغال يُحمل عليها متاعه، وقد أجمع مترجموه على أنه كان راوية صادق الرواية، وأنه كان ثبتا، وعلى الإشادة بعلمه ونبالة قدره، وقد عُرف من أفراد أسرة الزبير بن بكار الأدنين، ابنه مصعب الذي تتلمذ لأبيه الزبير، وكان عالما ثقة، كما عُرف أبوه بكار الذي توفي سنة مائة وخمس وتسعين من الهجرة، وكان سن ابنه الزبير يومئذ ثلاث وعشرين سنة، وترك الزبير بن بكار تصانيف كثيرة نافعة ومتنوعة في النسب.
وأخبار العرب، والوفود، والنوادر، وأخبار عدد من الشعراء، ونحو ذلك، وقد بلغ عددها نحو خمسة وثلاثين كتابا، وهي جميعها تشهد بسعة علمه ودقة ملاحظاته وعظم ثقافته الأدبية والإخبارية، ولكن لم يصل منها سوى ثلاثة كتب مطبوعة، أحدها بعنوان أخبار أبي دهبل الجُمحي، والآخران من أهم كتبه لكثرة تداولهما بين أيدي الناس دون غيرهما من مؤلفاته وهما كتاب جمهرة نسب قريش وأخبارها، وهو كتاب كبير الحجم، لم يصل كاملا، وتم نشر الجزء الأول منه بمصر العلامة محمود محمد شاكر سنة ألف وثلاثمائة وواحد وثمانين من الهجرة، ويرد عنوانه في المصادر بصيغ أخرى، وعلى هذا الكتاب اعتماد الناس في معرفة أنساب القرشيين، وكتاب الأخبار الموفقيات، وهو مجموع ضخم يتضمن أخبارا ونوادر وقصصا تاريخية تدور حول الخلفاء ورجال البلاط وتشمل أقطارا عدة، وقد ألفه الزبير لتلميذه الموفق بن المتوكل العباسي.
ويقع في تسعة عشر جزءا، ولكن لم يصل كاملا، وما بقي منه سالما وتم طبع بعضه أول مرة المستشرق وستنفلد وكان ذلك سنة ألف وثمانمائة وثماني وسبعين ميلادي، ثم أعاد تحقيقه سامي مكي العاني وضمّ إليه أجزاء أخرى مخطوطة عثر عليها، ومقتطفات كثيرة منثورة في بطون الكتب، وطبعها جميعا في مجلد واحد ونشر في بغداد سنة ألف وتسعمائة واثنين وسبعين ميلادي، أما باقي كتب الزبير بن بكار فإنها فقدت جميعا وبقيت أسماؤها في بطون المصادر والمراجع، منها ما جمع فيه أخبار كل شاعر على حدة، مثل أخبار حاتم الطائي، وأخبار أميّة بن أبي الصلت، وأخبار حسان بن ثابت، وأخبار عمر بن أبي ربيعة، وأخبار ابن هرمة، ومنها في موضوعات أخرى مثل نوادر أخبار النساء، ومزاح النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب النخل، وأخبار المدينة وغيرها.
وهذه الكتب كانت مادة لكثير من المصنفات التي تم تأليفها بعده مثل مروج الذهب، والاستيعاب، والروض الأنف، وشرح نهج البلاغة، والإصابة، وخزانة الأدب، للبغدادي وغيرها، وتوفي الزبير لتسع بقين من شهر ذي القعدة سنة ست وخمسين ومائتين، بمكة وقد بلغ أربعا وثمانين سنة، وصلى عليه ابنه مصعب بن الزبير بن بكار، وكان سبب وفاته أنه وقع من فوق سطحه، فمكث يومين لا يتكلم ومات وانكسرت ترقوته ووركه، وتم دفنه إلى جانب قبر علي بن عيسى الهاشمي في مقبرة الحجون.