الدكرورى يكتب عن عبد الله بن مسعود الهُذلي “جزء 6”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عبد الله بن مسعود الهُذلي “جزء 6”
ونكمل الجزء السادس مع عبد الله بن مسعود الهُذلي، قال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، على بغلته، يمضي قدما، فحادت بغلته، فمال عن السرج فسد نحره، فقلت ارتفع رفعك الله، فقال صلى الله عليه وسلم ” ناولني كفا من تراب ” فناولته فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم ترابا، وقال ” أين المهاجرون والأنصار؟ ” قلت هم هنا، قال ” اهتف بهم ” فجاؤوا وسيوفهم في أيمانهم كأنها الشهب، وولى المشركون أدبارهم، وقد لزم ابن مسعود النبي صلى الله عليه وسلم، في مكة، وكان جريئا في الدين، فقاسى ابن مسعود ما قاساه المسلمون الأوائل من اضطهاد قريش، مما اضطره إلى الهجرة إلى الحبشة تحت وطأة هذا الاضطهاد لينجو بنفسه وبدينه.
ثم عاد ابن مسعود بعد سنوات إلى مكة، قبل أن يغادرها مجددا مهاجرا إلى يثرب بعد أن أذن النبي صلى الله عليه وسلم، لأصحابه بالهجرة إليها، وبعد الهجرة إلى المدينة، نزل عبد الله على معاذ بن جبل، وقيل سعد بن خيثمة، وقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم، بين ابن مسعود والزبير بن العوام، وقيل بينه وبين سعد بن معاذ، وقيل بينه وبين أنس بن مالك، وقيل بينه وبين معاذ بن جبل، واختط النبي صلى الله عليه وسلم، لعبد الله وأخيه عتبة دُورا مع دور بني زُهرة بن كلاب في ناحية مؤخر المسجد، وما أن هاجر ابن مسعود حتى لزم هو وأمه خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان عبد الله يُلبس النبي صلى الله عليه وسلم، نعليه، ثم يمشي أمامه بالعصا، حتى إذا أتى مجلسه.
نزع نعليه، فأدخلهما عبد الله في ذراعه، وأعطاه العصا، وكان يدخل حجراته أمامه بالعصا، وأصبح ابن مسعود صاحب سواد النبي صلى الله عليه وسلم، ووساده، وسواكه، ونعليه، وطهوره، وكان هو من يستر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، إذا اغتسل، ويوقضه إذا نام، ويُؤنسه إذا مشي، لذا، فقد كان كثير الولوج على النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ظن أبو موسى الأشعري حين هاجر من اليمن إلى المدينة، أن ابن مسعود وأمه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك لكثرة دخولهم وخروجهم عليه وفى غزوة بدر قد نفله النبي صلى الله عليه وسلم، يومها سيف أبي جهل، وكما كان ابن مسعود أحد أربعة ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
بعد أن تقهقر عنه أصحابه يوم أحد، وقد لبث عبد الله بن مسعود في المدينة المنورة بعد عودته حتى ألم به مرض موته سنة اثنين وثلاثين من الهجره، حيث توفي ابن مسعود في تلك السنة، وكان عمره بضعا وستين سنة، وكفن في حُلة بمائتي درهم، ودفن بالبقيع ليلا، وكان عند قبر عثمان بن مظعون، وقد صلى عليه الزبير بن العوام بحسب وصية ابن مسعود، وقد ترك ابن مسعود عند وفاته ضيعة براذان فمات عن تسعين ألف درهم، سوى الرقيق والماشية، وكان قد أوصى إلى الزبير بن العوام، وإلى ابنه عبد الله بن الزبير، بالتصرف في تركته، وإنه لا تزوج امرأة من بنات عبد الله بن مسعود إلا بإذنهما، وبعد وفاة عبد الله بن مسعود، دخل الزبير على الخليفة عثمان بن عفان.
يطالبه بعطاء ابن مسعود، وكان قد تركه حين مات عمر بن الخطاب، فأعطاه عثمان بن عفان، خمسة عشر ألفا وقيل عشرين ألفا، وقيل خمسة وعشرين ألفا، وقد دفعها الزبير بن العوام، إلى عيال ابن مسعود، وقد كان بن مسعود آدم، خفيف اللحم، نحيفا، قصيرا، وشديد الأدمة، وكان لا يغير شيبه، وكان بعينيه أثرين أسودين من البكاء، وكان من أجود الناس ثوبا أبيض، ومن أطيب الناس ريحا، وكان يُعرف بالليل بريح الطيب، كما كان يتخذ خاتما من حديد، وكان من مواقف عبد الله بن مسعود مع الرسول صلى الله عليه وسلم،أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان مرافقا للنبي صلى الله عليه وسلم، وملازما له دائما فكان له معه كثير من المواقف.