الدكروى يكتب عن سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع سمات المؤمنين والمتقين، وإن المقصود من السيئات ليس نفس الأعمال التي يقوم بها الإنسان، بل آثارها السيئة التي تنطبع بها روح ونفس الإنسان، فحينما يتوب ويؤمن تجتث تلك الآثار السيئة من روحه ونفسه، وتبدل بآثار الخير، وهذا هو معنى تبديل السيئات حسنات، فيقول تعالى ” ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا” ويعني ذلك أن التوبة وترك الذنب ينبغي ألا تكون بسبب قبح الذنب، بل ينبغي إضافة إلى ذلك أن يكون الدافع إليها خلوص النية، والعودة إلى الله تبارك وتعالى، لهذا فإن ترك شرب الخمر أو الكذب بسبب إضرارهما مثلا، وإن كان حسنا، لكن القيمة الأسس لهذا الفعل لا تتحقق إلاّ إذا استمد من الدافع الرباني.
وبعض المفسرين ذكروا تفسيرا آخر لهذه الآية، وهو أن هذه الجملة جواب على التعجب الذي قد تسببه الآية السابقة أحيانا في بعض الأذهان، وهو كيف يمكن أن يبدل الله السيئات حسنات؟ فتجيب هذه الآية حينما يؤوب الإنسان إلى ربه العظيم، فلا عجب في هذا الأمر، وهو أن كل من تاب من ذنبه فإنه يعود إلى الله، ومثوبته بلا حساب، وإن من صفات المؤمنين هو الإيمان بالكتاب، والمراد به الكتب المنزلة من السماء، وأعظمها القرآن الكريم، فأهل الإيمان يؤمنون بجميع الكتب المنزلة على الأنبياء الماضين، وآخرها وأعظمها وأشرفها القرآن العظيم المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهكذا المؤمنون يؤمنون بالنبيين والمرسلين جميعا، ويصدقونهم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خاتمهم وأفضلهم.
وهكذا المؤمنون يتصدقون بالمال على حبه، وهو معنى قوله سبحانه وتعالى فى سورة البقرة ” وآتى المال على حبه ذوى القربى” ينفقون المال على حبه، في الفقراء والمساكين من الأقارب وغيرهم، وفي المشاريع الخيرية، وفي جهاد أعداء الله، هكذا أهل الإيمان والبر، ينفقون أموالهم في سبيل الخيرات، ويقول سبحانه وتعالى “وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب” والمعنى أنهم ينفقون في هذه الجهات، في القرابات، وفي الأيتام الفقراء، وفي المساكين غير الأقارب من الضعفاء، وفي أبناء السبيل، وهم الذين يمرون بالبلد وليسوا من أهلها وتنقطع بهم النفقة، وهكذا السائلون وهم الذين يسألون الناس لحاجتهم ومسكنتهم.
أو سائلون مجهولون لا تعرف حالهم، فيعطون ما يسد حالهم، وقوله ” وفى الرقاب” والمعنى أنهم ينفقون في عتق الرقاب، أي في عتق العبيد والإماء وفي عتق الأسارى وفك أسرهم، ثم قال سبحانه وتعالى ” وأقام الصلاة وآتى الزكاة” والمعنى هو أن المؤمنين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة يحافظون على الصلوات، ويقيمونها في أوقاتها، كما شرعها الله، ويؤدون الزكاة كما شرعها الله، ثم قال سبحانه وتعالى ” والموفون بعهدهم إذا عاهدوا” أى إذا أعطواعهدا وفوا ولم يغدروا، ثم قال سبحانه ” والصابرين فى الباساء والضراء وحين البأس” أي في حالة البأساء، وهي حالة الفقر، والضراء وهي الأمراض والأوجاع والجراحات ونحو ذلك، وحين البأس أى حين القتال والحرب.
ثم قال سبحانه ” أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون” أى هؤلاء هم أهل الصدق، لكونهم حققوا إيمانهم بأعمالهم الطيبة، وتقواهم لله عز وجل، ولقد أنزل الله القرآن باللغة العربيّة لأنها وسيلة التفاهم مع من أرسل إليه الرسول أولا، وبدأت الدعوة في محيطهم قبل أن تبلغ لغيرهم، فقال الله تعالى فى سورة إبراهيم ” وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم” وإن الإسلام دين عالمي يجب تبليغه لكل الناس، وذلك باللسان الذي يعرفه من بُلغ إليهم، فالقرآن نزل باللغة العربية لأمرين أساسين أولهما الإعجاز لإثبات صدق الرسالة، وذلك للقوم الذين نزل القرآن في بيئتهم التي نشأ فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ الدعوة، ولغيرهم من الناس بما يحويه من معلومات وتشريعات هي أصدق المعلومات وأحكم التشريعات.