الدكروى يكتب عن سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
سمات المؤمنين والمتقين ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع سمات المؤمنين والمتقين، فإن هذه الحالة من الكبر والغرور، دليلا على الجهل المطلق، وقيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعبر أحد الأزقة يوما ما، فرأى جماعة من الناس مجتمعين، فسألهم عن سبب ذلك فقالوا مجنون شغل الناس بأعمال جنونية مضحكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أتريدون أن أخبركم من هو المجنون حقا، فسكتوا وأنصتوا بكل وجودهم فقال صلى الله عليه وسلم “المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه، المحرك جنبيه بمنكبيه، الذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شرّه، فذلك المجنون، وهذا مبتلى” وإن من صفات المؤمنين هو الحلم والصبر، كما يقول القرآن الكريم ” وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما”
والسلام الذي هو علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة، وليس الناشيء عن الضعف، والسلام دليل عدم المقابلة بالمثل حيال الجهلة الحمقى، سلام الوداع لأقوالهم غير المتروية، ليس سلام التحية الذي هو علامة المحبة ورابطة الصداقة، والخلاصة، أنه السلام الذي هو علامة الحلم والصبر والعظمة، فإن المظهر الآخر من مظاهر عظمتهم الروحية، هو التحمل وسعة الصدر اللذين بدونهما سوف لا يطوي أي إنسان طريق العبودية لله الصعب الممتلىء بالعقبات، خصوصا في المجتمعات التي يكثر فيها الفاسدون ومفسدون وجهلة، ومما يلفت النظر أن أول صفة للمؤمنين كانت الخشوع في الصلاة، وآخرها المحافظة عليها، بدأت بالصلاة وإنتهت به، لماذا؟
لأن الصلاة أهم رابطة بين الخالق والمخلوق، وأغنى مدرسة للتربية الإنسانية، فالصلاة وسيلة ليقظة الإنسان وخير وقاية من الذنوب، والخلاصة، إن الصلاة إن اقيمت على وفق آدابها اللازمة، أصبحت أرضية أمينة لأعمال الخير جميعا، وجدير بالذكر إلى أن الآيتين الأولى والأخيرة تضمنت كل واحدة منها موضوعا يختلف عن الآخر، فالآية الأولى تضمنت الصلاة بصورة مفردة، والأخيرة بصورة جماعية، الأُولى تضمنّت الخشوع والتوجه الباطني إلى الله، هذا الخشوع الذي يعتبر جوهر الصلاة، لأن له تأثيرا في جميع أعضاء جسم الإنسان، والآية الأخيرة أشارت إلى آداب وشروط صحة الصلاة من حيث الزمان والمكان والعدد، فأوضحت للمؤمنين الحقيقيين.
ضرورة مراعاة هذه الآداب والشروط في صلاتهم، وبعد بيان الصفات الحميدة للمؤمنين، قد بيّنت الآية التالية حصيلة هذه الصفات فقالت ” أولئك هم الوارثون” أى بمعنى اولئك الذين يرثون الفردوس ومنازل عالية وحياة خالدة ” الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون” والفردوس، قيل هي مفردة رومية، وذهب آخرون إلى أنها عربية، وقيل فارسية بمعنى البستان، أو بستان خاص إجتمعت فيه جميع تسميتها بالجنة العالية، وأفضل البساتين، ويمكن أن تكون عبارة يرثون إشارة إلى نيل المؤمنين لها دون تعب مثلما يحصل الوارث الإرث دون تعب وصحيح أن الإنسان يبذل جهودا واسعة ويضحي بوقته ويسلب راحته في بناء ذاته والتقرب إلى الله.
إلا أن هذا الجزاء الجميل أكثر بكثير من قدر هذه الأعمال البسيطة، وكأن المؤمن ينال الفردوس دون تعب ومشقة، وكما يجب ملاحظة حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم “ما منكم من أحد إلا وله منزلان، منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله” كما يمكن أن تكون عبارة يرثون في الآية السابقة إشارة إلى حصيلة عمل المؤمنين، فهي كالميراث يرثونه في الختام، وعلى كل حال فإن هذه المنزلة العالية حسب ظاهر الآيات المذكورة فى سورة المؤمنون خاصة بالمؤمنين الذين لهم هذه الصفات، ونجد أهل الجنة الآخرين في منازل أقل أهمية من هؤلاء المؤمنين، ومن صفات عباد الرحمن هي العبادة الخالصة لله عز وجل.