النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 15″

الدكرورى يكتب عن النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 15″

بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي ” جزء 15″

ونكمل الجزء الخامس عشر مع النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، وعندما كشف عن رأسه وقال لمعاوية هل ترى من لؤم فهو بذلك قد جمع معنى الأنصار في نفسه, وهو الوحيد منهم مع صاحبه مسلمة بن مخلد، ولم يمتلك النعمان الشجاعة الكافية لكي يواجه يزيد ويقابله بالهجاء, بل أنه اكتفى بأنه يشكوه إلى أبيه معاوية، وكان النعمان يمد عنقه للخلافة ويطمع بها بعد معاوية بن أبى سفيان، وكان معاوية يعرف منه ذلك ولكنه لن يعدل ألف نعمان بيزيد فهو يريد تنصيب يزيد لا غيره ولا يريد أن يخسر من له أدنى صفة بالصحبة وخاصة من الأنصار الذين كانوا كلهم مع أمير المؤمنين سوى النعمان ومسلمة بن مخلد, وهو لا يريد أن يفقد صحبة النعمان ومسلمة ولا أن يغضبهما.

فهما ورقتاه الوحيدتان من الأنصار، وكان معاوية يعرف إن النفور قد استحال إلى كره وحقد بين النعمان وابنه يزيد منذ حادثة الأخطل, فأراد أن يبعد النعمان عن الشام ولو إلى أن يستقيم الأمر ليزيد فولاه على الكوفة فلما مات معاوية وتقلد يزيد الخلافة لم يعد النعمان يفكر بأمر الكوفة بقدر تفكيره بأمر الشام، وإن هذه الحوادث تفسر تغافل النعمان بن بشير عن حركة سفير الحسين بن على، وهو ابن عمه مسلم بن عقيل رضى الله عنهما، وتجاهله لها لما قدم الحسين بن على رضى الله عنه، إلى الكوفة حيث لم يعارضها أو يعاديها وفي نفس الوقت لم يؤيدها ولم يكن ذلك بسبب تسامحه وتساهله تجاه قيادات الحركة أو تعاطفا، وقيل أنه عرف بعدائه للإمام علي بن أبى طالب وآل الإمام علي بن أبى طالب.

بل لنفوره وكرهه ليزيد الذي أشرنا إليه بسبب الأخطل, ثم أن النعمان لم يكن واثقا من نتائج الثورة وكذلك من الأحداث السياسية المتأزمة منذ تولى يزيد الخلافة، وقد أصبحت حركة مسلم في الكوفة قوية وهو لا يستطيع مجابهتها بعد أن انضم كبار زعماء القبائل إليها فآثر السكوت وترقب الأحداث وما سيأتي به الغد، فقيل أنه لم يكن النعمان بلين الجانب ولا المتسامح وخاصة مع شيعة الإمام على، وقد كان له موقف أوضح فيه مدى كرهه لأهل الكوفة وهو أن معاوية أمر لأهل الكوفة بزيادة عشرة دنانير في أعطياتهم، وأرسل إلى النعمان بذلك، ولكن النعمان أبى أن يصرفها لهم لبغضه إياهم وقيل كان ذلك بسبب نصرتهم للإمام علي, ورغم أنهم كلموه وسألوه بالله أن يعطيها إياهم.

ولكنه أبى أن يفعل، ولقد كان النعمان يمد بطرفه إلى الشام ويترقب مصير معاوية ويتخيل نفسه في أي موضع سيكون وما سيؤول إليه مصيره عندما يتولى يزيد الخلافة, ولم يكن تجاهله عن لين وعاطفة بقدر ما كان هدنة وترقبا للأحداث وما سيؤول إليه مصير الأمة, وهو بذلك أوجد له مكانا في حال نجاح حركة مسلم وانقلاب الكوفة عليه فإنه سيلوذ بصهره المختار وهو أحد رؤوس حركة مسلم بن عقيل رضى الله عنه، أو لعله سيجد فيه معينا فقد كانت رغبته وأطماعه لنيل الخلافة تزداد يوما بعد يوم وقد ذكر كل من تحدث عن سيرته من المؤرخين، قديما وحديثا،عن حرصه وسعيه للوصول إلى الخلافة بشتى الوسائل, وكان معاوية، يعلم ما في نفس النعمان من طمع.

وهذا من أهم الأسباب التي دفعته إلى إبعاده عن الشام عندما أحس بدنو أجله، وقد مات النعمان وهو يسعى للحصول على كرسي الحكم، ولقد كان الكوفيين يعرفون النعمان جيدا منذ أن حمل معه أصابع نائلة بنت الفرافصة المبتورة وقميص زوجها الخليفة عثمان بن عفان إلى الشام للثأر من قتلة عثمان، وكما كان سلوكه مع حركة مسلم مثار استنكار الأمويين وأتباعهم في الكوفة حيث طالبوه باتخاذ موقف يوضح فيه موقفه من الأحداث ويعلن فيه ولاءه ليزيد ولما ألحوا عليه قال ما كنت لأهتك سترا ستره الله، فقيل إنه بدلا من أن يوضح موقفه حول الأحداث بولائه ليزيد فقد قال هذا الكلام المبهم الذي لا يؤيد أحد الفريقين, إذ تأكد كل من سمع كلامه أنه ينوي الخروج عن طاعة يزيد.