الدكرورى يكتب عن مفرق الجماعات الموت ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مفرق الجماعات الموت ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع مفرق الجماعات الموت، فالبقاء لله الواحد القهار، فقال تعالى ” يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب” وقد روى الترمذي وغيره، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه، كان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه” قال، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما رأيت منظرا قط إلا القبر أفظع منه” فالقبر هو أول منازل الآخرة.
فإن كان من أهل الجنة عُرض له مقعده من الجنة، وإن كان من أهل النار عُرض عليه مقعده من النار، ويُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعا، ويملأ عليه نورا ونعيما إلى يوم يبعثون، وأما الكافر فيُضرب بمطرقة من حديد، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، وروى الطبراني وصححه الألباني، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مر بقبر فقال “من صاحب هذا القبر؟” فقالوا، فلان، فقال “ركعتان أحبّ إلى هذا من بقية دنياكم” وفي رواية قال “ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدها هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم” فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره.
وبطن الأرض مستقره والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلا الموت، ولا ذكر إلا له، ولا استعداد إلا لأجله، وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى ويراها من أصحاب القبور فإن كل ما هو آت قريب ، فإن مشهد الموت هو المشهد الذي ينتهي إليه كل حي والذي لا يدفعه عن نفسه ولا عن غيره حي، وإن الموت الذي يفرق بين الأحبة ويمضي في طريقه ولا يتوقف، فلا يستجيب لصرخة ملهوف ولا لحسرة مفارق ولا لرغبة راغب ولا لخوف خائف فقال تعالى ” وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد” فإن الموت الذي به يصرع الجبابرة، ويقهر به المتسلطون كما يقهر به المستضعفون، فإنه الموت الذي لا حيلة للبشر فيه وهم مع ذلك لا يتدبرون القوة.
التي تجريه، وحين تبلغ الروح التراقي، يكون النزع الأخير وتكون السكرات المذهلة ويكون الكرب الذي تزوغ منه الأبصار، ويتلفت الحاضرون حول المحتضر، يتلمسون حيلة أو وسيلة لاستنقاذ روح المكروب “وقيل من راق ” لعل رقية تفيده من السكرات والنزع الأخير وقال تعالى ” والتفت الساق بالساق” وبطلت كل حيلة وعجزت كل وسيلة وتبين الطريق الواحد الذي يسابق إليه كل حي، وفي نهاية المطاف ” إلى ربك يومئذ المساق” فتأمل حالك وتمثل نفسك وقد رحلت عن الدنيا إلى ظلمة القبور وأهوالها وبقيت رهينا لعملك، فأي عمل يصاحبك في هذه الحفرة الضيقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلك ” إذا مات ابن آدم تبعه ثلاثة،أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله”
فإذا زرت المقبرة فقف أمام قبر مفتوح، وتأمل هذا اللحد الضيق، وتخيل أنك بداخله، وقد أغلق عليك الباب، وانهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأولاد، وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته، فلا ترى إلا عملك، فماذا تتمنى يا ترى في هذه اللحظة؟ ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا، لتركع ركعة، أو لتسبّح تسبيحة، أو لتذكر الله تعالى ولو مرة؟ فها أنت على ظهر الأرض حيّا معافى فاعمل صالحا قبل أن تعضّ على أصابع الندم وتصبح في عداد الموتى، فإذا هممت بمعصية، فتذكر أماني الموتى، تذكر أنهم يتمنون لو عاشوا ليطيعوا الله، فكيف تعصي الله؟ وإذا فترت عن الطاعة، تذكر أماني الموتى، واجتهد في الطاعة، وبادر إلى التوبة قبل أن يأتيك الموت بغتة.