الدكرورى يكتب عن فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثانى مع فأصابتكم مصيبة الموت، ولنعلم جيدا أنه متى تكرر الذنب، واشتدت الغفلة، وتحول خوف العاصي وحزنه إلى فرح عند ظفره بشهوته المحرمة، وهذا الفرح دليل على شدة الرغبة في المعصية، والجهل بسوء عاقبتها وعظم خطرها، والجهل بقدر من عصاه سبحانه ومن كان كذلك، فليتهم إيمانه، وليبكى على موت قلبه، وليحذر من أن يوافي ربه على ذلك وليحذر من الإصرار على الذنب فإن تكرار الذنب يقود العاصي ولا بد إلى الإصرار، والإصرار على المعصية ذنب عظيم، لعله أعظم من الذنب الأول بكثير، ولهذا قيل، لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. ولنحذر أيضا المجاهرة بالذنب وإشاعة المعصية،
فهذه المرتبة من أخطر المراتب، وإن صاحبها متوعد بعدم المعافاة، فعن أبي هريرة رضى الله عنه، قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال” كل أمتي معافى إلا المجاهرين” ولكن كيف يجاهر الإنسان بالذنب، وهو يتيقن نظر الله سبحانه وتعالى، من فوق عرشه إليه، فإن آمن بنظره إليه، وأقدم على المجاهرة فهو قلة حياء مع الله عز وجل، وإن لم يؤمن بنظره إليه واطلاعه عليه، فذلك كفر، وانسلاخ من الإسلام بالكلية ولهذا كان المجاهر دائر بين الأمرين، وهما بين قلة الحياء، وبين الكفر والانسلاخ من الدين عياذا بالله ويقول الله تعالى فى كتابه الكريم “كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى” وقوله سبحانه وتعالى “كلا إن الإنسان ليطغى”
قيل إنه نزل في أبي جهل وقيل أنه نزلت السورة كلها في أبي جهل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الصلاة ، فأمر الله تعالى نبية صلى الله عليه وسلم، أن يصلي في المسجد ويقرأ القرآن، وقيل أن الإنسان هنا هو أبو جهل، وأن الطغيان هو مجاوزة الحد في العصيان، ومعنى “أن رآه” أي لأن رأى نفسه استغنى، أي صار ذا مال وثروة، وقال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه، قال لما نزلت هذه الآية وسمع بها المشركون، أتاه أبو جهل فقال يا محمد تزعم أنه من استغنى طغى، فاجعل لنا جبال مكة ذهبا، لعلنا نأخذ منها، فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك، قال فأتاه أمين الوحى جبريل عليه السلام، فقال “يا محمد خيرهم في ذلك فإن شاءوا فعلنا بهم ما أرادوه فإن لم يسلموا فعلنا بهم كما فعلنا بأصحاب المائدة”
فعلم النبي صلى الله عليه وسلم، أن القوم لا يقبلون ذلك، فكف عنهم إبقاء عليهم، ثم قال الله سبحانه وتعالى “إن إلى ربك الرجعى” وهذا الكلام واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديدا له وتحذيرا من عاقبة الطغيان، ومعنى الرجعى، أى المرجع والرجوع إلى الله تعالى، وفي معنى الآية وجهان، أحدهما هو أنه يرى ثواب طاعته وعقاب تمرده وتكبره وطغيانه، ونظيره فى قوله سبحانه “ولا تحسبن الله غافلا” إلى قوله سبحانه “إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار” وهذه الموعظة لا تؤثر إلا في قلب من له قدم صدق، أما الجاهل فيغضب ولا يعتقد إلا الفرح العاجل، وأما عن القول الثاني، فهو أنه تعالى يرده ويرجعه إلى النقصان والفقر والموت.
كما رده من النقصان إلى الكمال، حيث نقله من الجمادية إلى الحياة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الذل إلى العز، فما هذا التعزز والقوة، ولكن فى النهايه فإن أفضل الخلق وأهداهم أتمّهم عبودية لله، وسرور القلب وانشراح الصدر في إنابة العبد إلى الله والإقبال عليه والاستعانة به، والرجوع إلى الله والإنابة إليه عبادة عظيمة من سنن الأنبياء والمرسلين، فقال سبحانه وتعالى عن نبيه داود عليه السلام “وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب” فعن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ” رواه مسلم.