الدكرورى يكتب عن فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
فأصابتكم مصيبة الموت ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع فأصابتكم مصيبة الموت، ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالصغار، فقد كان يقبل الصغار ويداعبهم بل ويكنيهم، فروى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر ثم يضمهما ثم يقول” اللهم ارحمهما فإني أرحمهما” وروى البخارى أيضا من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال” كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير” يا أبا عمير ما فعل النغير والنغير تصغير نغر وهو طائر يلعب به ذلك الصبي فمات، وإن رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجاوزت حدود البشر.
حتى وصلت إلى البهائم والحيوانات سابقة قبل قرون طويلة ما يسمى بجمعيات الرفق بالحيوان، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حُمّرة وهو طائرا صغيرا، معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمّرة فجعلت تفرّش، أي ترفرف، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” من فجع هذه بولدها ؟ ردّوا ولدها إليها” رواه أبو داود، بل إن رحمته بالحيوان بلغت مبلغا أشد من ذلك حتى عند الذبح ، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته” رواه مسلم.
إنها رحمة ما عرف التاريخ مثلها أبدا، وإن من صور الرحمة في شريعة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم رحمة المجتمع بأكمله وذلك بتوفير الأمن والطمأنينة في أرجائه، وإنما يكون ذلك بردع من يعبث بأمن الأمة، ومن هنا شرعت الحدود والتعزيزات من قتل القاتل وقطع يد السارق وحد الزاني وغيرها، فهذه الحدود عند التحقيق مظهر من مظاهر الرحمة في المجتمع المسلم بعكس ما يصوره أعداء الإسلام من أنه وحشية أو همجية ولكم أن تتأملوا في قول الله تعالى “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون” فالحدود وإن كانت في ظاهرها قسوة على شخص أو شخصين إلا أنها في الحقيقة رحمة للمجتمع بأسره.
والقاعدة الشرعية أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ومن صور الرحمة في دين رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم رحمته بأهل الأرض كلهم فالأرض كلها لله والدين الذي يرضاه الله لأهل الأرض هو الإسلام، ولذلك كان من رحمة الله التي أرسل بها رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعم الإسلام الأرض كلها، فمن وقف ضد دخول الإسلام إلى بلد من البلاد فإنه يقاتل ومن هنا نعرف أن الجهاد في سبيل لله أيضا من مظاهر الرحمة في شريعة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ولعل هذه القضية من أشد القضايا التي تثار من قِبل الكفار لتشويه صورة الإسلام ودعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنه لا بد من النظر في الحكمة من الجهاد في سبيل، وطريقة هذا الجهاد، فالحكمة كما تقدم أن يعم الإسلام جميع الأرض، وهل من شرط الجهاد أن يدخل الناس جميعا في الإسلام ؟ فالجواب لا لقول الله تعالى “لا إكراه في الدين” فمن أراد أن يبقى على دينه فله ذلك بشرط أن يدفع الجزية إن كان رجلا بالغا عاقلا، على أن يكون تحت حكم الإسلام وهؤلاء يعرفون بأهل الذمة، فهذه هي الحكمة من الجهاد، وأما طريقة الجهاد فهي من أرقى وأجل الطرق، ولعل مما يلخصها قول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث بريدة رضي الله عنه قال ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا.