الدكرورى يكتب عن أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع أهمية دراسة الحديث الشريف، ومن ذلك أيضا مخالفته صريح السنة المسلم بها شهرتها أو لتواترها وأيضا مخالفته الوقائع التاريخية المقطوع بصحتها، وذلك مثل ما رواه الإمام مسلم بسنده عن أبي وائل قال خرج علينا ابن مسعود بصفين، فقال أبو نعيم أتراه بعث بعد الموت؟ إذ قد توفي قبل ذلك، ومثل ما روى من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الجزية عن أهل خيبر ورفع عنهم الكلة والسخرة بشهادة سعد بن معاذ، وكتابة معاوية بن أبي سفيان، مع أن الثابت أن الجزية لم تكن مشروعة عام فتح خيبر، وإنما نزلت آية الجزية بعد تبوك، وأن سعدا توفي قبل ذلك في غزوة الخندق، وأن معاوية إنما أسلم عام الفتح، وأيضا صدور الحديث.
من راوى تأييدا لمذهبه وهو متعصب مغالى فيه وذلك كالأحاديث التي صدرت من أتباع المذاهب الفقهية والكلامية، تأييدا لمذاهبهم أو مذهب إمامهم مثل حديث “من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له” ومثل “المضمضة والاستنشاق للميت ثلاثا فريضة” ومثل “من قال القرآن مخلوق فقد كفر” وأيضا اشتمال الحديث على إفراط في الثواب العظيم جزاء عمل صغير، أو اشتماله على مبالغة في الوعيد الشديد على الأمر الحقير، وذلك كالأحاديث التي وضعها القصاص في ثواب بعض الأعمال، وفي جزاء بعض الجرائم والمخالفات، وأن يتضمن الحديث أمرا من شأنه أن تتوفر الدواعي إلى نقله لأنه وقع بمشهد عظيم، ثم لا يشتهر ولا يرويه إلا واحد وبِهذا حكم أهل السنة على حديث غيرهم بالوضع.
وهو الحديث المتضمن النص على خلافة علي ووصايته، ولا شك أن هذه أسس سليمة رصينة محكمة كفيلة بتمييز الأحاديث الموضوعة من الأحاديث الصحيحة، لا يسع المنصف أن ينازع في قوتها وإحكامها وكفايتها، ومع هذا لم يكتف رجال الحديث بها في سبيل نقد المتن، بل نقدوه مع ذلك من ناحية اضطرابه أو شذوذه أو إعلاله، كما بحثوا فيما وقع فيه من قلب أو غلط أو إدراج، إلى غير ذلك من العلل التي عني العلماء ببيانها وشرحها فيما وضع في ذلك من الكتب، وقد رأيت فيما سبق أن ما وضع من موازين وضوابط للتعرف على ما في الأحاديث من قوة وضعف لم يكن الهدف منه الوصول إلى القطع بصحة نسبة الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنما كان الغرض منه الوصول إلى غلبة الظن بصحة تلك النسبة، ولذا قالوا إن ما حكم بصحته من أحاديث الآحاد قد يكون في واقع الأمر غير صحيح ولكن هذا احتمال ضعيف لا يحول دون وجوب العمل كما قدمنا، ولقد ذكر أصحاب هذا النقد أنه كان من الواجب أن يؤسس نقد المتن أيضا على أسس أخرى لم تنل من علماء الحديث عناية وهي اتفاق ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول مع الظروف التي قيل فيها وعدم معارضته للحوادث التاريخية الثابتة، وكذلك خلو الحديث من التفسير الفلسفي الذي يخالف المألوف من بيانه صلى الله عليه وسلم وخلوه من الأساليب الفقهية التي تتعرض لذكر الشروط والأركان، وما إلى ذلك مما لم يكن معروفا.
في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وانطباق الحديث على الواقع، وعدم وجود باعث سياسي أو نفسي دعا إلى وضعه، وذلك ما ضمنه الناقد نقده، ولو تهيأ له أن يكون واسع الاطلاع دقيق النظر، لتبين له أن كل ما ذكره من ذلك تتضمنه تلك القواعد السابقة، ولم يفت رجال الحديث مراعاته في نقد المتن، فقد ردوا حديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم الحمام بناء على أن النبي صلى الله عليه سلم لم يدخل حمّاما قط، وأن الحمامات لم تكن معروفة في الحجاز على عهده صلى الله عليه وسلم وكذلك ردوا حديث وضع الجزية عن أهل خيبر، بناء على أنه مخالف لما علم تاريخيا من أن شرعية الجزية لم تشرع إلا بعد فتح خيبر، وردوا بعض الأحاديث لمخالفتها للواقع.