الدكرورى يكتب عن أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
أهمية دراسة الحديث الشريف ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع أهمية دراسة الحديث الشريف، ولكن بعض الناس ممن خدعهم زيف المستشرقين والمبشرين قامت في أنفسهم آراء منحرفة، بسبب ما تلقوه من هؤلاء من شبهات صدتهم عن الحق، وأعمتهم عن النور، فمنهم من ذهب إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يتعبد الناس إلا بما شرعه القرآن، فهو وحده واجب الطاعة، وليست السنة إلا بيانا له وتطبيقا مؤقتا في أحكام المعاملات، وقد روعي فيه ما كان لزمن صدورها من عادات وأعراف ومعاملات، وما كان لأهله من علم ومعرفة وإمكانيات وتقاليد، ولذلك لم يكن للطاعة الواجبة صفة الدوام والاستمرار في هذا النطاق، وإنما كانت موقوتة بعصرها، حتى إذا تغير العصر بعاداته وأعرافه تغير التطبيق.
لما جاء من عموم في الكتاب خاصا بالمعاملات، ولم يكن ما ورد من السنة في ذلك واجب الطاعة، وعلى هذا الأساس وجدت جماعة في الهند تسمت بجماعة القرآن، أو بأهل القرآن، لا تعمل إلا به على النحو الذي يهديها فهمها إياه، وكذلك وجد في الناس من طعن في حجية السنة، ومثلهم وجد قديما فماتت مزاعمهم بانقضاء زمنهم، ولكن من يوجد الآن يتمسك في عدم الاحتجاج بالسنة بمزاعم ليس لها أساس ولا حقيقة، ولا قيام لها على واقع إلا ما زوروه من خيال، فطعنوا في روايتها وطريقة نقلها، وكان ذلك على غير هدى، قالوا كيف تكون السنة حجة على الناس تلزمهم أن يعملوا بها، مع ما نراه فيه من خلاف، واضطراب، وتناقض في مروياتها، وما نشاهده فيها من زيادات.
في بعضها، ونقص في بعضها الآخر، وما هو معلوم مما أضيف إليها، وأدخل عليها من موضوعات كثيرة تفوقها عددا، اختلطت بها ولم يتيسر تخليصها من كثير منها، وهذا مع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عن كتابتها، ومحو ما كتب منها في عهده، ثم عدم الميل إلى كتابتها بعد وفاته، وتأخير كتابتها وتدوينها إلى نهاية القرن الأول الهجري، وميل الكثرة من جلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى روايتها ونشرها، وذلك كله مع ما كان الرواة معرضين له من السهو والنسيان وسوء الحفظ، وقلة الضبط، وسوء الفهم، مما يعرض عادة للناس على اختلاف بينهم في ذلك، وكل ذلك مما لا تطمئن معه نفس إلى صحة نقلها، ووصولها إلينا.
كما صدرت منه صلى الله عليه وسلم ومع اجتماع هذه الشكوك والريب تنتفي الطمأنينة إلى سلامتها، كما ينتفي الظن بصحة نسبتها، وبذلك تزول حجيتها، أو لا يجب العمل بها، هذه مقالتهم، وهي تستند كما يرى على أوهام وشكوك، منها ما يتعلق بروايتها، ومنها ما يتعلق بحجيتها، وهي كما نرى دعاوى تتسم بالإجمال والعموم، وعدم التفصيل والتركيز، يلقى القول فيها على عواهنه دون استناد إلى واقع معين مُفصّل، أو مثل محدودة مبينة، فادعاء التناقض والخلاف والاضطراب والزيادة والنقص بهذا الإجمال وعلى هذا الوضع من العموم، ادعاء باطل، فليس يوجد شيء من ذلك إلا في القليل النادر الضئيل العدد، ثم هو لا يوجد مع ملاحظة هذا إلا في الأحاديث الضعيفة المنكرة.
التي فقدت حجيتها، وإذا وجد في الصحيح شيء من ذلك فبحسب الظاهر، ولم يكن وجوده فيها إلا بالنسبة إلى النظرة الأولى الخاطفة، أمّا عند استيعاب النظر، وعمق الفهم فلا يرى لذلك من أثر، وقد ألفت في ذلك كتب عديدة مستقلة تكفلت ببيان ذلك، فارتفع ببيانها ما زعموه من الخلاف والإشكال، وتبين عدم وجود شيء من ذلك، على أن وجود ذلك في فئة قلية العدد من الأحاديث قل أن يكون منها حديث صحيح لا يطعن في السنة جملة، ولا يضعف من قوتها وحجيتها التي قامت عليها الأدلة القاطعة، فكيف إذا تبين أن ليس لمثل هذا وجود في باطن الأمر وحقيقته؟ وأما الموضوعات فقد كان لعلماء الحديث مجهودهم الدائب الذي لا ينكر في تعرفها وتمييزها وتخليص السنة منها.