سر بناء مدينة القيروان ” جزء 3″

الدكرورى يكتب عن سر بناء مدينة القيروان ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

سر بناء مدينة القيروان ” جزء 3″

ونكمل الجزء الثالث مع سر بناء مدينة القيروان، ويعتبر القيروان من أقدم وأهم المدن الإسلامية، بل هى المدينة الإسلامية الأولى في منطقة المغرب ويعتبر إنشاء مدينة القيروان بداية تاريخ الحضارة العربية الإسلامية فى المغرب العربى، فلقد كانت مدينة القيروان تلعب دورين هامين فى آن واحد، هما الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والتوسعات، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلمون العربية وينشرون الإسلام فهى بذلك تحمل في كل شبر من أرضها عطر مجد شامخ وإرثا عريقا يؤكده تاريخها الزاهر ومعالمها الباقية التي تمثل مراحل هامة من التاريخ العربى الإسلامى ولقد بقيت القيروان حوالى أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى.

لإفريقية والأندلس ومركزا حربيا للجيوش الإسلامية، ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية، وعندما تذكر القيروان يذكر القائد العربى الكبير عقبة بن نافع وقولته المشهورة عندما بلغ فى توسعاته المحيط الأطلسى وهو يرفع يده إلى السماء ويصرخ بأعلى صوته “اللهم اشهد أنى بلغت المجهود ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد من دونك” وكلمة القيروان كلمة فارسية دخلت إلى العربية، وتعنى مكان السلاح ومحط الجيش أو استراحة القافلة وموضع اجتماع الناس في الحرب، وقد اجتمع عقبة بن نافع بعد انتهائه من بناء مدينة القيروان بوجود أصحابه وأهل العسكر فدار بهم حول مدينة القيروان، وأقبل يدعو لها ويقول في دعائه.

” اللهم املأها علما وفقها، وأعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك وذلا لمن كفر بك، وأعز بها الإسلام” فلما أرسى عقبة بن نافع قواعد مدينته الجديدة، لم يكن يدرى وهو يدعو ربه ليمنعها من جبابرة الأرض ويملأها فقها وعلما ويجعلها عزا للإسلام أى مصير تخبئه لها الأيام، إلا أنه استراتيجيا كان موفقا في اختياره، فالقيروان توجد على مسيرة يوم من البحر الذى كان البيزنطيون يسيطرون على عبابه، وهى تبعد بمثل ذلك عن الجبال، حيث كانت آنذاك تعتصم القبائل البربرية المناوئة للإسلام، وتمثل القاعدة المحدثة رأس الحربة وسط خط المواجهة المتخذ بين المسلمين والبيزنطيين، بعد انهزام ملكهم جرجير فى سبيطلة أمام جيوش معاوية بن حديج سنة خمسه وأربعين من الهجرة.

وتراجع سلطانهم وانحصاره فى شمال البلاد، بجانب ذلك فالقيروان في منبسط من الأرض مديد يسمح باستنفار الفرسان في غير صعوبة، وقد كانت الخيل قوام جيش المسلمين في معظم معاركهم وحروبهم المصيرية، وقد راعى عقبة فى اختياره لموقع مدينته الجديدة تقريبها من السبخة حتى يوفر ما تحتاجه الإبل من المراعى، وتسمية القيروان تستجيب للغرض الأصلي من تأسيسها فهى كلمة معربة عن اللغة الفارسية وتعنى المعسكر أو القافلة أو محط أثقال الجيش، ولا ريب أن مختلف الحملات والغزوات التى سبقت بناء القيروان كانت تمر بالموقع، وتتفق المصادر على أن معاوية بن حديج قد عسكر خلال إحدى حملاته الثلاث على إفريقية بالموضع المعروف بالقرن.

على بعد عشرة كيلومترات شمال غربى القيروان، كما تذكر كتب الطبقات أن الصحابي أبا زمعة البلوى قد استشهد خلال غزوة معاوية بن حديج الأولى العام أربعة وثلاثين من الهجرة وهو محاصر لجلولة، فأخذ ودُفن بموضع القيروان وكانت القيروان أولى المراكز العلمية في المغرب العربى تليها قرطبة فى الأندلس ثم فاس فى المغرب الأقصى ولقد قصدها أبناء المغرب وغيرها من البلاد المجاورة، وكان مسجد عقبة الجامع ومعه بقية مساجد القيروان تعقد فيه حلقات للتدريس وأنشئت مدارس جامعة أطلقوا عليها دور الحكمة، واستقدم لها العلماء والفقهاء ورجال الدعوة من الشرق فكانت هذه المدارس وما اقترن به إنشاؤها من انصراف القائمين عليها للدرس والبحث عاملا فى رفع شأن لغة القرآن لغة العرب وثقافتهم.