سر بناء مدينة القيروان ” جزء 7″

الدكرورى يكتب عن سر بناء مدينة القيروان ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

سر بناء مدينة القيروان ” جزء 7″

ونكمل الجزء السابع مع سر بناء مدينة القيروان، وذكر البكرى أنه كان لهذه السوق سطح متصلة به جميع المتاجر والصناعات وأن هذا السطح قد تعرض لبعض التهدم، وأمر هشام بن عبد الملك بترميمه عام مائه وخمسة من الهجرة، وإن القيروان اكتسبت نوعا من الاحترام والتعظيم باعتبارها البلد الذى أسسه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهر بها على أيديهم كثير من الكرامات، واستقر بها بعضهم مدة من الزمن، وهي آخر ما دخله الصحابة من بلاد المغرب، فكل هذه الأمور هيأت القيروان لدور الريادة العلمية فى إفريقية والمغرب حتى وصفها أبو إسحاق الجبنيانى بقوله القيروان رأس وما سواها جسد، وما قام برد الشبه والبدع إلا أهلها ولا قاتل ولا قتل على أحياء السنة إلا أئمتها.

وقد لهج المؤلفون القدامى بفضل القيروان على سائر بلاد المغرب فى المجال العلمى من ذلك ما وصفها به ما قد يشي بأنها منبع الولاية والعلوم، فهى لأهل المغرب أصل كل خير، والبلاد كلها عيال عليها، فما من غصن من البلاد المغربية إلا منها علا، ولا فرع في جميع نواحيها إلا عليها ابتنى، كيف لا ومنها خرجت علوم المذهب وإلى أئمتها كل علم ينسب ولا ينكر هذا خاص ولا عام، ولا يزاحمها فى هذا الفضل أحد على طول الأمد والأيام، وهكذا أصبحت القيروان دار العلم الإفريقية وبرز فيها كبار المحدثين والفقهاء والقراء ورحل إليها أهل المغرب والأندلس لطلب العلم، وقد نافح أهلها عن مذاهب السلف فصارت دار السنة والجماعة بالمغرب.

لقد قامت القيروان بدور كبير في فتح شمال إفريقية كله والأندلس ونشر الإسلام في المغرب وأصبحت من أهم مراكز الحضارة الإسلامية، ولقد تميّز كل عصر من عصور القيروان بعدد وافر من الأسماء والاعلام فى شتى ضروب العلم والمعرفة لما كانت عاصمة المغرب العربى وأعظم مدن القارة الإفريقية ومنارة عالية للإشعاع الفكرى والدينى والحضارى فى عصور الأغالبة والفاطميين والصنهاجيين، ومن هؤلاء الأعلام الإمام سحنون وابن رشيق القيروانى وابن شرف وأسد بن الفرات وابن الجزار، لكن المهتمين بالتاريخ يذكرون خصوصا اسم المعز بن باديس الصنهاجي كأكبر رمز لما بلغته القيروان من حضارة فى عهد الصنهاجيين وعبد الله بن الأغلب الذى جعل من القيروان اسما ملأ الدنيا.

أما عقبة بن نافع فإنه يظل الفاتح والمؤسس، فكان من أوائل من قام بالتعليم في مدينة القيروان أولئك العشرة من التابعين الذين أرسلهم عمر بن عبد العزيز، ليعلموا الناس وكان من أشهر أولئك العشرة إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر الذى كان بالإضافة إلى أنه عامل للخليفة من أكثر أفراد تلك البعثة اندفاعا فى نشر الدين وإدخال البربر إلى الإسلام، وكان منهم عبد الله بن يزيد الحبلى الذى شهد الاستيلاء على الأندلس مع موسى بن نصير، ثم عاد إلى القيروان ومات فيها، ومنهم أيضا إسماعيل بن عبيد المشهور بلقب “تاجر الله” وهو الذى بنى المسجد المعروف باسم مسجد الزيتونة، كما بنى سوقا للتجارة عرفت باسم سوق إسماعيل، وقد استشهد غريقا فى إحدى الغزوات البحرية لصقلية.

سنة مائة وسبعة من الهجرة ومنهم عبد الرحمن بن رافع التنوخى أول من تولى القضاء بمدينة القيروان، وأما رواد الفقه فى القيروان فهم كثير منهم الإمام سحنون بن سعيد الفقيه صاحب أبى القاسم وهو تلميذ الإمام مالك ومؤلف كتاب المدونة والذى كان له دور كبير فى تدوين المذهب المالكى، وقد حضر دروس هذا الفقيه العديد من طلاب الأندلس الذين قاموا بنشر مذهبه فيما بعد، وقد عرفت من رجال الفقه كذلك أسد بن الفرات قاضى إفريقية فى عهد الأغالبة وقائد الحملة إلى صقلية وفاتح الجزيرة ومحمد ابن الإمام سحنون بن سعيد وابن أبى زيد القيروانى، كما اشتهر فيها من الشعراء أبو عبد الله القزاز القيروانى، والحسين بن رشيق القيروانى، وابن هانئ الأندلسى.