التبرج فى الشريعة الإسلامية ” جزء 5″

الدكرورى يكتب عن التبرج فى الشريعة الإسلامية ” جزء 5″

بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

التبرج فى الشريعة الإسلامية ” جزء 5″

ونكمل الجزء الخامس مع التبرج فى الشريعة الإسلامية، وكان الرجال من بني إسرائيل يرون الجمال في طول المرأة، وبدلا من الرضى بقضاء الله وقدره، ظلت تفكر زمانا طويلا للبحث عن أفضل الطرق لجذب أنظار الناس إليها، حتى اهتدى عقلها إلى حيلة تزيل ما تظنه عيبا فيها، فقد صنعت لها نعلين من الخشب تلبسهما تحت الثياب فيزيد من قامتها، ويظهرها أمام الناس طويلة، وأمام الحيلة التي ابتكرتها، تغير منظرها الخارجي، فلم يتعرف عليها الرجال، وظنوا أنها امرأة غريبة عن الديار، بل أرسلوا أحدهم ليعلم عن هذا الوافد الجديد بالنسبة إليهم ويتقصى حقيقتها فلم يفلح، وبذكائها أيضا، اتخذت خاتما من ذهب صنعته خصيصا عند أحد الصاغة.

وأمرته أن يجعل فيه تجويفا له غطاء لتملأه مسكا قوي الرائحة، ثم كانت تذهب إلى مجامع الناس، وتحرك يدها ذات اليمين وذات الشمال، فيفوح شذى العطر في أرجاء المكان ليسلب بعبقه ألباب الرجال وينال استحسانهم لها، والنبي صلى الله عليه وسلم إذ يعرض هذه القصة، يريد من المجتمع الإسلامي أن يحذر من تلك الآفات ويرفع من تطلعاته وطموحاته، ويوجه تركيزه نحو إصلاح الباطن وتحسين الأخلاق، وما قيمة المرء إلا بنبل صفاته، وجميل أفعاله، وبياض صفحته، كما جاء تقرير ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” رواه مسلم، ونلمح أيضا في ثنايا القصة.

هو تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء، وتفننهن في طرق الغواية والإضلال، في ظل انتكاسة أخلاقية تنبيء بذوبان العفة وقلة المروءة، وذهاب الغيرة من قلوب الرجال، وما يؤديه من الفساد العظيم، والشر المستطير، وكان الإشفاق من خطر هذه الفتنة هو ما أشغل بال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يحذر أمته من فتنة النساء، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “اتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” رواه أحمد، ومن هنا، حرص الإسلام من خلال تعاليمه ومبادئه أن يحمي أفراده من بواعث الفتنة وأسبابها، فنهى النساء عن مظاهر التبرّج والزينة، ومنع من الاختلاط والخلوة المحرمة.

ورتب الوعيد الشديد على من خرجت من بيتها متعطرة حتى ولو كانت ذاهبة إلى المسجد، وبهذا الموقف الحازم والصارم، يمكن للمجتمع المسلم، أن يعيش في ظل من العلاقات الطاهرة، والقائمة على أساس من التقوى والصلاح، والمراقبة الذاتية، وإن كثيرا ما يحاول بعض أنصار الإلحاد صبغة الفكر الإلحادي بصبغة العلمية، ويتبنون بعض النظريات التي يرون أنها ستساعدهم على تأكيد مخالفة التصورات والأخلاقيات الدينية للحقائق العلمية، وفي هذا الصدد يتم تمويل دراسات وأبحاث موجهة ضد الدين والأخلاق، ولقد كان من التصورات الوهمية التي أفرزتها مثل تلك النظريات أن الإنسان الأول كان جاهلا إلى درجة تجعله قريبا من الحيوان.

وكان في شكله عاريا وذا سلوك متوحش، وإذا كنا لا نجد لمثل هذه التصورات عن أصل الأنواع والسلوكيات البشرية؛ مستندات علمية رصينة، فإننا نجد القرآن الكريم يخطئها ويعتبرها ظنونا لا برهان عليها، فقال الله سبحانه وتعالى مبينا أن نظريات الإنسان الملحد المتعلقة بالخلق وأصل الخليقة لا تستند إلى معطيات موضوعية فكما جاء فى سورة الكهف ” ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا” وقال الله سبحانه وتعالى مبينا افتقادهم إلى العلم واتباعهم للظنون والأوهام كما جاء فى سورة الجاثية ” وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون” كما قال الله سبحانه وتعالى مبينا أن الإنسان الأول كان متعلما وواعيا معلما.