ترك شاب وصية لأمه رأى نفسه ميتًا قبل زفافه بأيام
يسكن داخل منزل بسيط بمنطقة عمرو بن العاص بأحد الأحياء الشعبية بحي الزهور، تعيش أسرة بسيطة في سلام، يعمل كل أفرادها من أجل حياة كريمة، ولايزال الأب بالرغم من عمل أبنائه الثلاثة يعمل في إصلاح الأدوات الصحية «سباك» بالمنازل من أجل لقمة العيش، ولم يجد من بين ابنائه من يساعدة سوى الابن الذي قُتل غدرًا ببورسعيد.
سيف علي محمد، يبلغ من العمر 17 عاما رغم صغر سنه إلا أنه يتحمل مسئولية الرجال، فلا يكتفي فقط بالعمل مع والده مساعدًا لسباك والذي يقوم به بعد خروجه من يومه الدراسي، ويستكمل اليوم في مهنة الفاير شو في الحفلات والأفراح، ويجمع القرش على الآخر من أجل أن يبدأ حياته مع فتاة يحبها ويبني بيتًا ومستقبلًا وحياة.
في هذا اليوم الذي لقي سيف مصرعه، أنهى الشاب الصغير مساعدة والده في حرفة السباكة، ولم يذهب للمنزل بل طلب من والده أن يوصله إلى مكان عمله الثاني في الفاير شو بالحفلات، وذلك بنطاق حي الشرق، وذهب الأب لرعاية أمه القعيدة، وبعد أن جهز سيف الأجهزة ذهب إلى المنزل لتناول وجبة سريعة، ليعود لمتابعة الحفل، وفي طريق عودته وجد مشاجرة من بين أطرافها أحد أصحابه فنزل من على الدراجة النارية لإنهاء الخناقة فتلقى طعنة نافذة بالقلب أودت بحياته في الحال.
تلقى الأب خبر مقتل نجله، الذي خرج من البيت بعد أن تناول الطعام للبحث عن لقمة عيش من الحلال، فهرول إلى المستشفى ليجد نجله قد تم إيداع جثمانه بالثلاجة، ويظل أمامها حتى يأتي الطب الشرعي الذي انتهى من عمله في تشريح الجثة بناءً على أمر النيابة لبيان سبب الوفاة، ثم يذهب به إلى المقابر ليودعه قبل أن يوارى جثته التراب.
مشاجرة
يقول والد ضحية الغدر ببورسعيد: «سيف كان طيب القلب يساعد الضعيف والكبير وكان سندي في شغلي وعمره ما زعل حد ولا كان ليه مشاكل أبدًا وكان مسالم يحب تربية العصافير والحمام والقطط، مؤكدًا أنه لا يعلم سببًا لقتله بطعنة نافذة في القلب بهذا الشكل».
ويروي والد الضحية سيف أنه انهار خلال فتح الحقيبة التي كان يضع فيها الأموال من أجل الخطوبة، كان المجني عليه يضعها في شنطة بسيطة غير مرتبة من أجل مستقبله، وقال الأب باكيًا: والله شميت ريحة المسك وهما بيشرحوا ابني في المشرحة، وسقطت دموعه قائلًا: ابني تلقى طعنة في قلبه غدرا لا لشيء سوى لأنه تدخل لإنهاء مشاجرة بين بعض الشباب بصرف النظر عن كون طرف المشاجرة صديقه.
ويتابع الأب عن تفاصيل الإجراءات الأمنية والتحقيقات ليؤكد قائلا: إنه بمجرد وقوع الحادث ألقت الأجهزة الأمنية القبض على المتهمين، وحصلت على فيديوهات من كاميرات المراقبة للواقعة، وحققت النيابة وأمرت بحبس 9 متهمين، وكشف أنه شهد فيديو لنجله يثبت أنه لم يكن طرفا في المشاجرة، فهو مسالم بطبعه، لم يعلم أن سلاحًا أبيض سوف يستقر في قلبه ويودي بحياته.
وأكدت الأم أن نجلها لم يكن يومًا من الأيام لديه مشكلات مع أحد، وكان يساعد جيرانه، ولم يتأخر عن مساعدة أحد ودائما سباق في كل الظروف.
وعلقت أم سيف على مقتله والدموع تنهمر من عينيها قائلة: السلاح ما دخلش في قلبه لا والله ده دخل في قلبي أنا ومش هنام ولا هيرتاح قلبي إلا بعد أن يأخذ العقاب الذي يستحقه، وقالت إنه كان يجمع بين مدرسته والعمل في حرفة السباكة مع والده، يجمع القرش على القرش من أجل اتمام الخطبة من فتاة يحبها، وكان دائمًا يقول لي: لازم أشقى علشان أكون نفسي يا أمي.
وعن علاقتها بنجلها الذي قتل غدرًا قالت: عمره ما سابني أنام زعلانه ولو حد زعلني ياخدني في حضنه يصالحني، ولو أكل حاجة حلوة لازم يجيبلي منها ويقولي خدي يا ماما، وأوضحت أنه كان دائمًا يترك الأموال التي يحصل عليها من العمل معها، وذات يوم قال لها وهو يبتسم: «بقولك ايه يا أمي لو مت أصرفي على جنازتي من تحويشة الخطوبة»، وكأن ابني يتوقع موته.
وبابتسامة ملأت وجهها قالت الأم؛ ابني كان له قط مرتبط به ودائما يحن حتى على الكلاب والقطط الضالة في الشارع، وعلقت: ابني خارج من البيت رايح يسعى على لقمة عيشه كان حاسس وقالي تحويشة الخطوبة لو مت أبقي أصرفي منها على دفنتي.
وصيتي
وقبل ساعات من وفاته كتب سيف على صفحته الشخصية: «وصيتي وقرار مني لما أموت ما تقفلوش أي حاجه لي عشان افضل موجود بينكم وحتى لو نسيتوني فيسبوك بيفكركم بيا يوم عيد ميلادي ادعوا لي بس وامانه عليكم ما تدفنونيش بالليل أبدا مهما حصل وبعد ما تدفنوني خليكم قاعدين جنبي شوية لحد ما أتعود على المكان، اقرأوا سورة يوسف وياسين على قبري وشغلوا قرآن كثير ومتعيطوش، عارف هيبقى غصب عني بس قولوا الشهادة وادعوا لي بالثبات عند السؤال، واللي بيحبني يهديني بالصدقة، الوقت هيمر وهتنسوا بس وقت ماجي على بال حد ويفتكرني يقرأ ليا الفاتحة، ربنا يجعلني من أهل الجنة ويغفر لي، ومش عاوز حد يكون زعلان مني، ولو زعلت حد مني في يوم حقكم علي أنا والله بحب كل الناس ومقصدش أزعل حد، أنا أسف لأي حد زعلته أو ضايقته، انا قررت أنزل كل ده لأن فعلا العمر يا جماعة مش مضمون».
تفاصيل الواقعة
شهد حي الزهور بمحافظة بورسعيد مشاجرة نشبت بين مجموعة من الأشخاص، وتسببت في مصرع أحدهما وإصابة آخر إصابات خطيرة.
واستقبل مستشفى الزهور عن طريق الإسعاف شخصين مصابين نتيجة اعتداء من آخرين، وتبين أنهما سيف علي علي محمد ويبلغ من العمر 17 عامًا، ومقيم بعمرو ابن العاص مصابا بجرح نافذ بالصدر وتوفي المصاب داخل المستشفى أثناء عمل الإسعافات الأولية، والثاني يوسف عبده محمد أحمد، ويبلغ من العمر 18 عامًا، مصابا بجرح نافذ بالبطن والحالة العامة سيئة.
وكان اللواء مدحت عبد الرحيم مدير أمن بورسعيد تلقى بلاغًا بالحادث، ووجه على الفور بتشكيل فريق بحث جنائي للوقوف على الأسباب، وتحرير المحضر الخاص بالواقعة، وتتولى النيابة العامة التحقيق، ونجح فريق البحث في كشف كواليس الواقعة وضبط المتهمين، وقامت النيابة العامة بالتحقيق معهم وحبسهم على ذمة القضية