الدكرورى يكتب عن مبايعة رضى الله عنها “جزء 7”
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
مبايعة رضى الله عنها “جزء 7″
ونكمل الجزء السابع مع مبايعة رضى الله عنها، فبايع أول الناس، وأوسطهم، وآخرهم، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم، في الآخرة ” يا سلمة ألا تبايع” فرد قائلا “يا رسول الله لقد بايعت في أول الناس وأوسطهم” حتى بايعه البيعة الثالثة، وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم، نفسه بيده اليمنى عن عثمان ضاربا بيده الأخرى، ذلك أن عثمان لو كان فيهم تحت الشجرة، لبايع النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تردد في ذلك، فتغيبه عن البيعة كان بسبب إشاعة مقتله، ولم يكن رجل في بطن مكة وشعابها يستطيع القيام بتلك المهمة إلا عثمان بن عفان، وقد بايع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، النبي صلى الله عليه وسلم، بعدما علم بأمر البيعة مباشرة، فانطلق ذاهبا إلى البيعة على فرس أعاده إليه ابنه عبدالله بن عمر.
بعدما أخبره أن الناس يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم، عند الشجرة، فكان ممن بايع رضي الله عنه، وكان مما أظهرته بيعة الرضوان هو اتحاد المسلمين يدا بيد، وذلك نصرة للحق والإيمان، ورفعا لراية توحيد الله، ودرءا لأذى قريش ونواياها، فأبانت جميل إخلاص المسلمين فيما بينهم وقت الشدة، فكانوا على قلب رجل واحد، لإنقاذ عثمان بن عفان، وتقديم أرواحهم حبا لله عز وجل، وتأدية لواجب محبتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم، فأينعت قلوبهم بالإخاء والمعاضدة والموت في سبيل الله، ومن المعلوم أن قريشا كانت تهاب المسلمين، وتخشى من اتحادهم على الحق والخير، فاهتمت كل فئة منهم بعمل معيَّن، وافترقوا إلى عدة آراء، وهي أن ذهب أهل الرأي فيهم.
إلى إبرام عقد الصلح مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع المسلمين، وقد رأت الفئة الثانية إشعال نار الفتنة والحرب بين الفريقين، فهبطوا على المسلمين ليلا على حين غرّة وغفلة من المسلمين من فوق جبل التنعيم، وكانوا بحدود ثمانين رجلا، إلا أن قوة المسلمين بقائد حرسهم الصحابي محمد بن سلمة رضي الله عنه، أوقعت بهم جميعا، وأخلى الرسول صلى الله عليه وسلم، سبيلهم، فنزل قول الله تعالى “وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكه من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا” ويتمثل فضل أهل بيعة الرضوان بثلاثة أمور، بيانها وهو ثناء الله تعالى، عليهم بحصولهم على رضاه، ودخولهم الجنان، وعتقهم من النيران.
ثوابا لموقفهم مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وذلك لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لا يدخل أحد من أهل البيعة النار، فقد بلغوا أعظم الرضا من ربهم، واستحقوا هذه المكانة العلية التي خلدها القرآن الكريم، بمن فيهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، وقد نالوا هم وأصحاب غزوة بدر تلك السكينة والمغفرة من الله سبحانه وتعالى، ولقد برزت عِبر ودُرر بيعة الرضوان بمنتهى التميز والإجلال، فالمسلمون الذين بايعوا الله سبحانه وتعالى، على الموت في سبيله، قد رسّخوا مفاهيم الإخلاص، وتعاليم الثبات بأصدق مما قد يتخيله المسلم، فكانت موازين عدل ونور للبشرية جمعاء، ومما برز من تلك العبر والدروس هو أنه قد بينت البيعة أعظم مقصود في حياة المؤمن.
بأن تكون حياته خالصة لله تعالى، بجميع الأفعال والأقوال، وقد أظهر أصحاب البيعة أجل معاني البِر، والتضحية، والبذل في سبيل رضا الله عز وجل، وهذا المقصود هو أصل إيمان المؤمن، وتنبني عليه جميع المعادلات الربانية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فحياته، ومماته، وعبادته لله رب العالمين، فهو حين يقوم لله بقلبه يكسب العزيمة والثبات في شتى مواقف حياته، فيسمو قلبه لله تعالى، معلنا تماما عن غايته العظمى، تحقيقا لقول الله سبحانه تعالى “قل إن صلاتى ونسكى ومحياي ومماتى لله رب العالمين” وذلك هو ما فعله أهل البيعة رضي الله عنهم أجمعين، إذ قاموا بقلوبهم لله رب العالمين، متناسين الحياة بما فيها من ملذات وشهوات.
ولذلك كتب الله لهم الفتح، لصدقهم، وسمى صلح الحديبية بالفتح المبين، فقال الله تعالى “إنا فتحنا لك فتحا مبينا” فقد كان قرار المسلمين في البيعة أكيدا لا رجعة عنه، واختاروا الموت في سبيل الله، وعلى الرغم من أنهم لا سلاح معهم للقتال إلا سلاح السفر المتواضع، إلا أنهم أحبوا الموت على أن يتراجعوا، فأي قوم يمكن مجابهتهم، وهم الذين أرادوا الموت لا الحياة، فكان حرصهم على الموت كحرص عدوهم على الحياة، وهو إبرام قرار الموت مع أنفسهم، فقد اختار المسلمون الموت ولم يموتوا، فكانت لهم الحياة دون الموت، ووُهبت لهم الحياة من جديد، وبنصرة وتمكين عظيمين.