الرسالة المحمدية وفقهاء الصحابة “جزء 13”

الدكرورى يكتب عن الرسالة المحمدية وفقهاء الصحابة “جزء 13”

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث عشر مع الرسالة المحمدية وفقهاء الصحابة، وأما التابعون فقد اشتهر المجتهدون فيهم، كسعيد بن المسيب والأوزاعي والنخَعي والشعبي، وقد نقل عن الشافعي أنه قال في الحسن وابن سيرين، واعظ ومعبر، وظن قوم أنه أراد أنهما ليسا من أهل الاجتهاد، وهذا باطل، فإن الحسن أفتى في زمن الصحابة، وابن سيرين كذلك، وقد شهد لهما أهل عصرهما بالجلالة والإمامة، وأما الفقهاء السبعة فأهل للاجتهاد ولا محالة، وكذلك الفقهاء الخمسة أرباب المذاهب، وقد اختلف أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة في المزني، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وابن سريج، فمنهم من ألحق هؤلاء برتبة المجتهدين في الدين، ومنهم من جعلهم من المجتهدين في المذاهب.

وبين الزركشي أن ما ذكره الكيا الهراسي في أبي هريرة تابع فيه القاضي، فإنه قال “إنه لم يكن مفتيا، وإنما كان من الرواة، والصواب ما قاله ابن برهان، وقد ذكره ابن حزم في الفقهاء من الصحابة، وقال عبد العزيز الحنفي في التحقيق “كان أبو هريرة فقيها، ولم يعدم شيئا من أسباب الاجتهاد، وقد كان يُفتي في زمن الصحابة، وما كان يُفتي في ذلك الزمان إلا فقيه مجتهد، وقد جمع الشيخ أبو الحسن السبكي جزءا في فتاوى أبي هريرة” فقال فى المنخول ” والضابط عندنا فيه أن كل من علمنا قطعا أنه تصدى للفتوى في أعصار الصحابة، ولم يمنع عنها فهو من المجتهدين، ومن لم يتصد لها قطعا فلا، ومن ترددنا في ذلك فيه ترددنا في صفته.

وقد انقسمت الصحابة إلى متنسكين لا يعتنون بالعلم، وإلى معتنين به، فهم المجتهدون، ولا مطمع في عد آحادهم بعد ذكر الضابط، وهو الضابط أيضا في التابعين”، وقد عدّ ابن حزم في الإحكام فقهاء الصحابة، فبلغ بهم أكثر من مائة، وقد قال الشيخ أبو إسحاق في طبقاته “أكثر الصحابة الملازمين للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا فقهاء، لأن طريق الفقه فيهم خطاب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأفعاله وكانوا عارفين بذلك، لنزول القرآن بلغتهم، ولهذا قال أبو عبيد في كتاب المجاز “لم ينقل أن أحدا من الصحابة رجع في تفسير شيء من القرآن الكريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم “أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم”

غير أن الذي اشتهر منهم بالفتاوى والأحكام جماعة مخصوصة، ويُشير ابن القيّم إلى أن الراشدين والصحابة رضي الله عنهم لم يلتفتوا إلى عدد من الشبه، بما يؤدي إلى تجويز غلط الشاهد ووهمه وكذبه، وقد عدّ هذا محض الفقه والاعتبار ومصالح العباد، وهو من أعظم الأدلة على جلالة فقه الصحابة وعظمته، ومطابقته لمصالح العباد، وحكمة الرب وشرعه، وأن التفاوت الذي بين أقوالهم، وأقوال من بعدهم، كالتفاوت الذي بين القائلين، وقد عدّ الذهبي من فقهاء الصحابة أم المؤمنين السيده عائشة رضي الله عنها، وقال “هى من أكبر فقهاء الصحابة، وكان فقهاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجعون إليها، تفقه بها جماعة”

ومن فقهاء الصحابة عبدالله بن مسعود، وهو ممن شهد بدرا وسائر المشاهد، وسكن الكوفة وكان يلي بيت المال بها، ومات بالمدينة سنة ثنتين وثلاثين من الهجره، وقد أوصى أن يدفن بجنب قبر عثمان بن مظعون، فصلى عليه الزبير بن العوام، ودُفن بالبقيع، وكان له يوم مات بضع وستون سنة، ومن فقهاء الصحابة زيد بن ثابت، وكان أحد فقهاء الصحابة الجلة الفراض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أفرض أمتي زيد بن ثابت” وكان أبو بكر الصديق قد أمره بجمع القرآن في الصحف، فكتبه فيها، فلما اختلف الناس في القراءة زمن عثمان واتفق رأيه ورأي الصحابة على أن يردّ القرآن إلى حرف واحد، فوقع اختياره على حرف زيد.