الدكرورى يكتب عن الرسالة المحمدية وفقهاء الصحابة “جزء 14”
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الرابع عشر مع الرسالة المحمدية وفقهاء الصحابة، وكان أبو بكر الصديق قد أمره بجمع القرآن في الصحف، فكتبه فيها، فلما اختلف الناس في القراءة زمن عثمان واتفق رأيه ورأي الصحابة على أن يردّ القرآن إلى حرف واحد، فوقع اختياره على حرف زيد، فأمره أن يُملي المصحف على قوم من قريش جمعهم إليه، فكتبوه على ما هو عليه اليوم بأيدي الناس، والأخبار بذلك متواترة المعنى، وإن اختلفت ألفاظها، وكانوا يقولون غلب زيد بن ثابت الناس على اثنين القرآن، والفرائض، ومن فقهاء الصحابة، أبو حميد الساعدي، عبدالرحمن بن سعد بن المنذر أبو حميد الساعدي من أكبر فقهاء الصحابة، وقد اختلف في اسمه.
فقيل عبدالرحمن بن سعد بن مالك، وقيل عبدالرحمن بن سعد بن عمرو بن سعد، وقيل المنذر بن سعد بن المنذر، وكانت أمه هى السيده أمامة بنت ثعلبة الخزرجية، وقد روى عنه من الصحابة جابر بن عبدالله، ومن التابعين عروة بن الزبير، والعباس بن سهل بن سعد، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وخارجة بن زيد بن ثابت، وجماعة من تابعي المدينة، وقد توفي سنة ستين للهجرة وروى له الجماعة، وأما عن أهمية فقه الصحابة والتابعين، فقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم، على أصحابه فقال ” خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم” ومن عقيدة أهل السنة والجماعة هو التمسك بما عليه صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
فهم عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، من أصحاب الفطرة السليمة وورعهم أشد، وشهدوا أسباب النزول وأدركوا مسائل الشرعية، ويقول الإمام احمد “من أصول أهل السنة والجماعة التمسك بما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والإقتداء بهم” ويقول الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أفضل هؤلاء لأنهم أبرهم قلوبا، وأعمقهم علما، واقلهم تكلفا، وقد اختارهم الله لصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم” والإمام الشافعي يقول “هم فوقنا في كل علم ودين، ورأيهم خير من رأينا لأنفسنا وفي أنفسنا” ففي عصر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كان يبين لصحابته الأحكام الشرعية.
سواء بطريقة مباشرة منه، أو يترك لهم لاجتهاد في حضرته ويقره لهم، وفي غير حضرته وعرض عليه فأجازه، لكن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ الصحابة في الاجتهاد بما لم يرد فيه نص ولا إجماع، وكذلك فتاوى المجتهدين من التابعين رحمهم الله فظهر ما يعرف بفقه الصحابة والتابعين، وأهم ما يميز فقه الصحابة والتابعين، هو النهي عن البحث فيما لم يقع من حوادث حتى تقع، وكذلك تجنب كثرة السؤال، وكذلك البعد عن الاختلاف والتفرق في الدين، وكذلك رد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة، ولو تجاوزنا العرض التاريخي لننتقل الى تأسيس المذاهب الفقهية التي ورثت مدرسة الصحابة والتابعين حيث عمل اصحاب الأئمة الاربعة على استخلاص اصول مذاهبهم والبناء عليها.
اما مباشرة كما هو الحال في مذهب الامام مالك والشافعي، او من خلال فروعهم الفقهية وأجوبتهم وتقريرات تلاميذهم كما هو الحال بالنسبة للامام ابي حنيفة واحمد, وكان مما اسس وعمل به هي تلك الاصول والطرائق التي تعالج من خلالها الاقوال, حيث وضعوا موازين تحاكم اليها الاقوال ويميز بينها, وهو ما يعرف بالتصحيح المذهبي وله انواع من اعلاها وارفعها التصحيح بالدليل, ومنها التصحيح من خلال قواعد المذهب واصوله, الى انواع تصل الى ستة أمور، وهذا يوضح لنا تفاوت حضور اقوال الصحابة والتابعين في كتب المذاهب الفقهية حيث تمثلت الائمة اقوال الصحابة والتابعين حتى اصبحت اقوالهم عين اقوال الائمة .
كما تجاوز علماء المذاهب من خلال قواعد التصحيح عندهم كثيرا من الاقوال التي ظهر مخالفتها للدليل او لم تصح نسبتها الى قائلها او بني الامر فيها على ترجيح قول على اخر، إذن احتوت المذاهب الفقهية جملةَ ما ورد عن الصحابة والتابعين وعالجت هذه الاقوال فبينت ضعيفها من سقيمها ، بل ميزوا بين الاقوال فقدموا الاقوى على ما هو دونه، وهذه من ميزات المذاهب وحسناتها التي تشهد بها الامة حيث بني الفقه الاسلامي على اصح الاقوال واقواها فخرّجت على هذه الاقوال كثير من المسائل مما اورها قوة واصالة تعين على استمرارها وبقائها.