الدكرورى يكتب منزلة الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
الجوار فى الشريعة الإسلامية ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع منزلة الجوار فى الشريعة الإسلامية، وكذلك قلة التناصح بين الجيران، فعن أبي رقية تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ” الدين النصيحة ثلاثا” قلنا لمن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم “لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم” فالنصيحة واجبة لعموم المسلمين، وهي في حق الجار أوجب وآكد، ومع ذلك قلَ من يحرص عليها ويسديها لجيرانه، مع أنه يوجد من بين الجيران من لا يشهد صلاة الجماعة، وقد يوجد فيهم من يتعاطى المسكرات، وقد يوجد من يدخل آلات الفساد في بيته، وقد يوجد بينهم من يعق والديه، أو يقطع أرحامه، أو يؤذي جيرانه بأنواع من الأذى، وقد يوجد من بينهم من هو مُتلبس بكثير من المخالفات الشرعية، ومع ذلك يندر أن تجد من يُعنى بالنصيحة.
ويقدرها قدرها، فيقوم بمناصحة جيرانه بالأسلوب الحكيم المناسب، ومن هنا تتزايد الشرور، وتترسخ، وتستمرا، فواجب على الجيران أن يتناصحوا فيما بينهم، وأن يكمل بعضهم بعضا، حتى تشيع فيهم المحبة، وترفع عنهم العقوبة، وكذلك من الظواهر المحزنه هو قلة التعاون على البر والتقوى، وهذا الأمر قريب مما قبله، فكثير من الناس لا يتعاون مع جيرانه على البر والتقوى، فلا يأبه بانحراف أبناء الجيران، ولا بشيوع المنكرات في الحي، ومن التعاون المطلوب تعاونهم واهتمامهم بحلق القرآن الكريم في المساجد، وتسهيل مهام القائمين عليها، وبذل ما يستطاع في سبيل الرقي بها، وكذلك كثرة الخصومة والملاحاة بين الجيران، فمن الناس من هو كثير الخصومة والملاحاة مع جيرانه.
فتراه يتشاجر معهم عند كل صغيرة وكبيرة، وربما وصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدي، وربما تطور الأمر، فوصل إلى الشرطه والمحاكم، ولكن خير من ذلك أن تأخذ الناس كما هم، فتسمو بنفسك، وتترفع عن السفاسف، وتكون واسع النفس عميقها، تتقبل شرور الناس وأعمالهم الصغيرة بصدر رحب ونفس مطمئنة، وقال طرفة بن العبد يمدح قومه” فضل أحلامهم عن جارهم، رحب الأذرع بالخير أمر” وأيضا من المظاهر المحزنه هو التهاجر والتقاطع بين الجيران عند أدنى سبب، فهناك من الجيران من يتخاصم مع جيرانه، ولكنه يُبقي على حبال المودة، فلا يصرمها البتة، ولكن هناك من إذا خاصم جارا أو أحدا من الناس، فجر في الخصومة، فظلم، وتعدى، وهجر صاحبه، وقاطعه حتى بعد أن تنتهي الخصومة.
بل ربما تربص به، وألب الجيران عليه، وأيضا من المظاهر المحزنه هو قلة الحرص على إصلاح ذات بين الجيران، فكثيرا ما تفسد ذات البين بين الجيران، إما بسبب خصومة كما مر، أو بسبب تافه حقير، وربما قامت سوق العداوة بين الجيران بدون سبب ظاهر، ومع ذلك قلّ من يحرص على الإصلاح، ورأْب الصدع، وجمع الكلمة، بل قد يوجد من حمّالة الحطب من يغري العداوة، ويذكي أوارها، فهذا الصنيع لا يجوز، بل اللائق بالجيران أن يهبوا لإصلاح ذات البين إذا فسدت بين بعضهم، ويعظم هذا الواجب في حق من له جاه ومكانة، وأيضا من المظاهر المحزنه هو ترك الإحسان للجار غير المسلم، فقد قال الله تعالى كما جاء فى سورة الممتحنة ” لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”
وهذا ما فهمه الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص، حيث ذبح شاة فقال هل أهديتم منها لجارنا اليهودي؟ ثلاث مرات، ثم قال رضى الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول” ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيُورثه” وأيضا من المظاهر المحزنه هو قلة الوفاء للجار بعد الرحيل، فمن الناس من ينسى جيرانه بعد أن يرحل عنهم، أو بعد أن يرحلوا عنه، والمروءة تقضي بأن تكون وفيّا لجارك، فمن الوفاء له ألا تنساه بعد رحيله عنك، أو رحيلك عنه، وأن تتواصل معه بالزيارة، والهدية، أو المهاتفة، أو نحو ذلك مما يبقي على حبال المودة، ومن الوفاء له ذكره بالخير، والثناء عليه بعد انقضاء مدة الجوار، خصوصا إذا كان من المحسنين.