الدكرورى يكتب عن نبى الله حزقيل علية السلام ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبى الله حزقيل علية السلام ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع نبى الله حزقيل علية السلام، وقوله تعالى “فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين” يقال بأي وجه سأله الفرق بينه وبين هؤلاء القوم ؟ ففيه أجوبة فالأول بما يدل على بعدهم عن الحق، وذهابهم عن الصواب فيما ارتكبوا من العصيان، ولذلك ألقوا في التيه، والثاني بطلب التمييز أي ميزنا عن جماعتهم وجملتهم ولا تلحقنا بهم في العقاب، وقيل المعنى فاقض بيننا وبينهم بعصمتك إيانا من العصيان الذي ابتليتهم به ومنه قوله تعالى “فيها يفرق كل أمر حكيم” أي يقضى، وقد فعل لما أماتهم في التيه، وقيل إنما أراد في الآخرة، أي اجعلنا في الجنة ولا تجعلنا معهم في النار، وقوله تعالى “قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض” فقد استجاب الله دعاءه وعاقبهم في التيه أربعين سنة، وأصل التيه في اللغة الحيرة.
والأرض التيهاء التي لا يهتدى فيها فكانوا يسيرون في فراسخ قليلة وقيل في قدر ستة فراسخ، يومهم وليلتهم فيصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا فكانوا سيارة لا قرار لهم، وقد اختلف هل كان معهم نبى الله موسى وهارون عليهما السلام؟ فقيل لا، لأن التيه عقوبة، وكانت سنوات التيه بعدد أيام العجل، فقوبلوا على كل يوم سنة وقد قال” فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين” وقيل كانا معهم لكن سهل الله الأمر عليهما كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم ، ومعنى محرمة أي أنهم ممنوعون من دخولها وكما يقال حرم الله وجهك على النار، وحرمت عليك دخول الدار، فهو تحريم منع لا تحريم شرع، عن أكثر أهل التفسير، وقيل كيف يجوز على جماعة كثيرة من العقلاء أن يسيروا في فراسخ يسيرة فلا يهتدوا للخروج منها ؟
والجواب قال أبو علي أنه قد يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التي هي عليها إذا ناموا فيردهم إلى المكان الذي ابتدءوا منه، وقد يكون بغير ذلك من الاشتباه والأسباب المانعة من الخروج عنها على طريق المعجزة الخارجة عن العادة، وكلمة أربعين هى ظرف زمان للتيه، وإن أربعين سنة ظرف للتحريم، فالوقف على هذا على أربعين سنة فعلى الأول إنما دخلها أولادهم، قاله ابن عباس ولم يبق منهم إلا يوشع وكالب، فخرج منهم يوشع بذرياتهم إلى تلك المدينة وفتحوها، وعلى الثاني فمن بقي منهم بعد أربعين سنة دخلوها، وروي عن ابن عباس أن موسى وهارون ماتا في التيه، ونبأ الله يوشع وأمره بقتال الجبارين، وفيها حبست عليه الشمس حتى دخل المدينة، وفيها أحرق الذي وجد الغلول عنده وكانت تنزل من السماء إذا غنموا.
نار بيضاء فتأكل الغنائم وكان ذلك دليلا على قبولها، فإن كان فيها غلول لم تأكله، وجاءت السباع والوحوش فأكلته فنزلت النار فلم تأكل ما غنموا فقال إن فيكم الغلول فلتبايعني كل قبيلة فبايعته، فلصقت يد رجل منهم بيده فقال فيكم الغلول فليبايعني كل رجل منكم فبايعوه رجلا رجلا حتى لصقت يد رجل منهم بيده فقال عندك الغلول فأخرج مثل رأس البقرة من ذهب، فنزلت النار فأكلت الغنائم، وكانت نارا بيضاء مثل الفضة لها حفيف أي صوت مثل صوت الشجر وجناح الطائر فيما يذكرون فذكروا أنه أحرق الغال ومتاعه بغور يقال له الآن عاجز، عرف باسم الغال وكان اسمه عاجزا، والغال في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “غزا نبي من الأنبياء” رواه مسلم.
وفيه قال صلى الله عليه وسلم ” فغزا فأدنى للقرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي شيئا فحبست عليه حتى فتح الله عليه قال فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه فقال فيكم غلول فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه، قال فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة فقال فيكم الغلول وذكر نحو ما تقدم” وقال علماؤنا والحكمة في حبس الشمس على يوشع عند قتاله أهل أريحاء وإشرافه على فتحها عشي يوم الجمعة، وإشفاقه من أن تغرب الشمس قبل الفتح أنه لو لم تحبس عليه حرم عليه القتال لأجل السبت، ويعلم به عدوهم فيعمل فيهم السيف ويجتاحهم، فكان ذلك آية له خص بها بعد أن كانت نبوته ثابتة بخبر موسى عليه الصلاة والسلام، على ما يقال ، والله أعلم.