الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة بني قريظة “جزء 7”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة بني قريظة “جزء 7″
ونكمل الجزء السابع مع الرسول في غزوة بني قريظة، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ” أهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ” فإن قصة الأحزاب وبني قريظة، لقد كانت موقعة عجيبة بلا قتال تقريبا، وكفى الله المؤمنين القتال، ولكنها كانت امتحانا عظيما لم يثبت فيه إلا الصادق حقًا، وكانت في نفس الوقت غزوة فارقة، فرقت بين مرحلتين رئيسيتين في السيرة، فما قبل الأحزاب شيء وما بعد الأحزاب شيء آخر، فقبل الأحزاب كان الاضطراب والقلق والمشاكل الكثيرة وعدم الاستقرار، أما بعد الأحزاب فقد نضجت الدولة الإسلامية نضوجا جعلها قادرة على الوقوف بصلابة في وجه كل أعدائها، ولقد رسخت الأحزاب أقدام المسلمين في الجزيرة.
ولم يجرؤ بعد ذلك أحد على تحدي هذا الكيان الصلب الجديد، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، عميقا جدا في تحليله غزوة الأحزاب بعد رحيل الكفار حيث قال صلى الله عليه وسلم ” الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحسن نسير إليهم ” ولقد كانت ما بين الهجرة والأحزاب فترة تأسيس الدولة الإسلامية، أما الفترة التي ستأتي بعد الأحزاب فستكون فترة تمكين دين الله تعالى في الأرض، وبنو قريظة صنف من اليهود كغيرهم ممن نقضوا العهود، وخانوا المسلمين في أصعب الظروف، وتآمروا مع الأحزاب، غير مكترثين بما اتفقوا عليه مع المسلمين، فالغدر ونقض العهود والمواثيق خُلق نشأ عليه اليهود، فلا يستطيعون فراقه، كما وصفهم الله عز وجل فى كتابة العزيز فى سورة البقرة.
“أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون” وقد نفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الله فيهم، وكانوا أربعمائة مقاتل، ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة كانت قد قتلت أحد الصحابة، حين ألقت عليه رحى من أعلى الحصن، وأطلق سراح الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم، ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أموالهم بين المسلمين، وفي بني قريظة نزل قول الله سبحانه وتعالى فى سورة الأحزاب “وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صيايصيهم وقذف فى قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطأوها وكان الله على كل شيء قديرا” وقول الحق سبحانه وتعالى “وأنزل الذين ظاهروهم” أي عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب الرسول صلى الله عليه وسلم.
“من أهل الكتاب” ويعني بني قريظة، ولقد أظهرت غزوة بني قريظة أدب الخلاف عند الصحابة، فقد اختلفوا رضوان الله عليهم، في فهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة” فبعضهم فهم منه أن المراد الاستعجال، فصلى العصر حين دخل وقتها، وبعضهم أخذ بظاهر كلامه صلى الله عليه وسلم، فلم يصلى إلا في بني قريظة، ولم يعنف صلى الله عليه وسلم، أحدا منهم ، ولم يخطئ أحد منهم الآخر ولا أساء إليه، وفي ذلك دلالة هامة على تقرير مبدأ الأدب عند الخلاف، كما أن فيه تقريرا لمبدأ الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية، وقد استنبط علماء الحديث والسيرة من قصة بني قريظة جواز قتال من نقض العهد.
ومن خلال هذه الغزوة يظهر لنا تأكد اليهود من نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحقدهم عليه، فقد روى ابن هشام أن كعب بن أسعد وهو زعيم بني قريظة قال لليهود ” يا معشر يهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيها شئتم، قالوا ما هي؟ قال نتابع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل” وبعد أن حكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه، جيء بكعب بن أسعد، وذلك قبل أن تضرب عنقه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كعب بن أسعد ؟ قال نعم يا أبا القاسم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما انتفعتم بنصح ابن خراش لكم، وكان مصدقا بي، أما أمركم باتباعي”
“وإن رأيتموني تقرئوني السلام؟ فقال كعب، بلى والتوراة يا أبا القاسم، ولولا أن تعيرني يهود بالجزع من السيف لاتبعتك، ولكني على دين يهود، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربت عنقه، فاليهود كانوا على يقينٍ بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى اطلاعٍ تام بما أثبتته التوراة من الحديث عنه وعن علاماته وبعثته، ولكنهم كانوا عبيدا لعصبيتهم وحقدهم وتكبرهم.