الدكرورى يكتب عن الإمام الحافظ البخاري ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
الإمام الحافظ البخاري ” جزء 1″
أحد أئمة الإسلام هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، أبو عبد الله البخاري الحافظ إمام أهل الحديث في زمانه، وقد وُلد البخاري رحمه الله في شوال سنة أربع وتسعين ومائة، وولد يوم الجمعة بعد صلاتها، لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر شوال، ببخارى وقد ذكر البخاري أنه وجد تاريخ مولده بخط أبيه، ومات أبوه وهو صغير، وكان أبوه قد ترك مالا أعان أمه على تنشئته وتربيته التربية الكريمة، وقال أبوه إسماعيل عند وفاته، لا أعلم في مالي درهما من حرام ولا شبهة، فنشأ في حجر أمه، فألهمه الله حفظ الحديث، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة، حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردا.
وقد أسلم المُغيرة جد إسماعيل، على يد اليمان الجعفى، فنسبوه إليه، فكان يقال له إسماعيل بن إبراهيم بن المُغيرة الجعفى، ولم تكن زوجة إسماعيل بأقل منه صلاحا، بل ثبتت لها كرامة تواتر ذكرها فى كتب المؤرخين، وهى أن طفلها الصغير محمد، فقد بصره، فدعت الله تعالى أن يرده عليه، وذات ليلة أتاها نبى الله الخليل إبراهيم عليه السلام فى المنام، و بشّرها بأن الله تعالى قد استجاب لكثرة دعائها، واستيقظت لتجد الغلام مُبصرا بقدرة الله وحوله و قوته، وقد روى عنه خلائق وأمم، وممن روى عن البخاري مسلم في غير الصحيح، وكان مسلم تتلمذ له ويعظمه، وروى عنه الترمذي في جامعه، والنسائي في سننه في قول بعضهم، وقد دخل بغداد ثماني مرات.
وفي كل منها يجتمع بالإمام أحمد، فيحثه أحمد على المقام ببغداد، ويلومه على الإقامة بخراسان، وقد ظهرت عليه علامات النبوغ المُبكر، ورزقه الله تعالى ذاكرة حديدية نادرة، وألهمه حفظ الأحاديث النبوية الشريفة، فلزم مجالس المُحدثين، وأخذ عنهم كل ما فى جعبتهم، وكان يحفظ من الأحاديث الشريفة فى أيام ما يستغرق غيره فى حفظه شهورا وسنوات، ولا يكتب عند شيوخه، بل يسمع منهم مرة واحدة، فيحفظ ما سمعه فورا عن ظهر قلب، ويكتب رفاقه، ثم يراجعون ويُصحّحون ما كتبوا على ما حفظ البخارى، وتميز الإمام البخاري بصفات عذبة وشمائل كريمة، لا تتوافر إلا في العلماء المخلصين، وهذه الصفات هي التي صنعت الإمام البخاري وكان منها هو الإقبال على العلم.
فقام البخاري بأداء فريضة الحج وعمره ثماني عشرة سنة، فأقام بمكة يطلب بها الحديث، ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها، وكتب عن أكثر من ألف شيخ، وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه، فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره، ثم يُطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة، وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة، فيحفظه من نظرة واحدة، والأخبار عنه في ذلك كثيرة، وقد دخل مرة إلى سمرقند فاجتمع بأربعمائة من علماء الحديث بها، فركبوا أسانيد، وأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وخلطوا الرجال في الأسانيد، وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها.
ثم قرءوها على البخاري، فرد كل حديث إلى إسناده، وقوم تلك الأحاديث والأسانيد كلها، وما تعنتوا عليه فيها، ولم يقدروا أن يجدوا عليه سقطة في إسناد ولا متن، وكذلك صنع في بغداد، وكان من كرم الإمام البخاري وسماحته إنه كان لا يفارقه كيسه، وكان يتصدق بالكثير، فيأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين، وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد، وكان الحسين بن محمد السمرقندي يقول كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال، مع ما كان فيه من الخصال المحمودة، كان قليل الكلام، وكان لا يطمع فيما عند الناس، وكان لا يشتغل بأمور الناس، كل شغله كان في العلم” وكانت من كلمات البخاري لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة.