الدكرورى يكتب عن نبي الله يعقوب علية السلام ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله يعقوب علية السلام ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع نبي الله يعقوب علية السلام، وكما مدح الله تعالى يعقوب عليه السلام، بالعلم الذي آتاه الله إياه، فقال سبحانه وتعالى ” وإنه لذو علم لما علمناه ” فلنأخذ قبسا من فيض علمه وحكمته، وقيمه الإيمانية والتربوية، التي نشأ عليها أبناءه، ولقد أمضى نبى الله يعقوب عليه السلام حياته في طاعة ربه، ودعوة قومه، وتربية أبنائه، فلم يترك نصيحة إلا أداها لهم، ولم يدخرها عنهم، فغرس قيم الإيمان في نفوسهم، وأكد على توثيق صلتهم بربهم، قائلا لهم ” يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ” وحرص عليه السلام على أن يستمروا في طاعة الله تعالى من بعده، فقال لهم ” ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ” وعزز عليه السلام في قلوبهم صدق التوكل على الله تعالى.
لذلك قال لهم ” إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون” أي به وثقت أن يحفظكم، ويحميكم ويرعاكم، فمن توكل على الله كفاه كل ما أهمه، ولقد قال الله تعالى ” ومن يتوكل على الله فهو حسبه ” وكما غرس نبى الله يعقوب عليه السلام في نفوس أبنائه الثقة بالله تعالى، والتمسك بالأمل والتفاؤل، فإنه قال لبنيه ” ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ” فأمرهم ألا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله، فما أعظم الأمل تنال به المطالب، ويثمر كل خير، ولقد مد يعقوب عليه السلام جسور الثقة بينه وبين أولاده، فعندما رأى يوسف عليه السلام رؤياه، ما وجد أقرب إلى قلبه من أبيه ليقصها عليه، فقال ” يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ” وهكذا يجب أن تكون العلاقة بين الابن وأبيه.
قائمة على الثقة المتبادلة، والحوار البناء، ولما استمع يعقوب إلى رؤيا ابنه يوسف عليهما السلام، خشي تسلل الحسد إلى نفوس إخوته، وأن يوقع الشيطان العداوة بينهم، فقال ” يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ” فالأب الواعي الحكيم ينصح أبناءه بما ينفعهم، ويؤلف بين قلوبهم، ويزرع المحبة بينهم، ويجنبهم أسباب الخلاف، فيغلق على الشيطان سبله ومنافذه، ليكونوا أسرة واحدة، مترابطة متماسكة، ولقد كان يعقوب عليه السلام حريصا على سلامة أبنائه، يبعدهم عن كل ما يضرهم، فحين أرادوا السفر ودعهم بوصية غالية، ونصيحة ثمينة ” وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة ” فإنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة وخشي أن تصيبهم العين، وهذا من علمه وحكمته عليه السلام.
فليحرص الآباء على سلامة أبنائهم، ويحصنوهم من الحسد، ويعوذوهم بالله تعالى من العين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” استعيذوا بالله، فإن العين حق ” ويعلمنا نبى الله يعقوب عليه السلام، أن معالجة أخطاء الأبناء تحتاج إلى صبر وحكمة، فعندما نزغ الشيطان بين يوسف عليه السلام وإخوته، كان يعقوب عليه السلام حليما مع أبنائه، حكيما في تعامله معهم، صبورا على تربيتهم، فلم يزجرهم ولم يعنفهم، مع علمه بسوء صنيعهم، وإنما بين لهم خطأهم، وعظم ما فعلوه، فقال لهم ” بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ” وظل يعقوب عليه السلام مع غياب ابنه الآخر ثابتا على صبره، راضيا بقضاء الله وقدره، لم تتزعزع في الله ثقته، ولم ينقطع فيه أمله، فقال لأبنائه ” فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم
وهو عليه السلام يغرس بذلك في نفوسهم قيمة الصبر والتحمل، فما أجمل الصبر يستعان به على الشدائد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر” ولقد صبر نبى الله يعقوب عليه السلام على أبنائه مدة طويلة حتى فاز بمقصوده، وأسعد الله قلبه باجتماع بنيه، فإن الصبر مفتاح الفرج، وتعلمنا قصة نبى الله يعقوب عليه السلام، أن الصبر على تربية الأبناء، وحسن التعامل معهم يثمر كل خير، فقد من الله تعالى على يعقوب عليه السلام باجتماع أبنائه، والتأليف بين قلوبهم، فندموا على فعلهم، وأقروا بخطئهم، فقال الله تعالى ” قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ” فما كان منه عليه السلام إلا أن قال لهم ” سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم “