الدكرورى يكتب عن نبي الله يعقوب علية السلام ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله يعقوب علية السلام ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع نبي الله يعقوب علية السلام، وهكذا فقد أطلق القرآن الكريم على يعقوب عليه السلام اسم إسرائيل، وقد جاء ذلك في موضعين فى كتاب الله عز وجل فأحدهما فى قوله تبارك وتعالى فى سورة آل عمران ” كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراه قل فأتوا بالتوراه فاتلوها إن كنتم صادقين ” وأما عن الموضع الثانى فكان فى قوله سبحانه وتعالى فى سورة مريم ” أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا وأجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا” وإن معنى إسرائيل في اللغة العبرية هو روح الله، أو عبدالله، أو صفى الله، وقد حفل القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تخاطب ذرية إسرائيل عليه السلام.
حيث ورد هذا الخطاب في نحو أربعين موضعا في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى فى سورة البقرة ” يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم وإياى فارهبون ” وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف، بأنه قد تزوج نبى الله إسحاق عليه السلام رفقا بنت نامور، وهي بنت عمه، فولدت له عيصو ويعقوب توأمين، ولما تقدم بإسحاق السن ورق جلده شكا يعقوب عليه السلام، أخاه عيصو إلى والده، وقال يا أبت، إني أشكو إليك عيصو أخي، وأستنصرك على توعده وتهديده، فإنه منذ رفعتني بعين رعايتك ودعوت لآلي بالبركة وتنبأت لي بنسل طيب وملك موروث وعيش لين فحسدني لهذه الدعوات وحقد علي، وأنكر العلامة التي توسمتها فيّ، فراح ينالني بقارص كلامه، ويتوعدني ويهددني، حتى زال ما بيني وبينه من ود.
وتقطع ما كان يجمعنا من رحم، ثم هو فوق ذلك كله يفاخرني بامرأتيه هاتين اللتين تزوج بهما من كنعان، ويكاثرني بما يرتقبه من أولاد يضيقون عليّ الرزق، ويزحمونني بمناكبهم في الحياة، وقد شكوت إليك لتحكم بيني وبينه بما وهبك الله من رأي حكيم وحلم راجح، فقال نبى الله إسحاق عليه السلام وقد أهمه ما رأى من القطيعة بين الأخوين، يا بني إنني كما ترى من هذه اللمة البيضاء ومعنى اللمة هو الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن، والجبين المتغضن، والظهر المتقوس، أصبحت شيخا متهدما، خذلتني قوتي، ووقفت بي الأيام على ثنية الوادع، وإنه يوشك أن يوفيني الأجل ويقطع ما بيني وبين الحياة من أسباب، ولا آمن عليك بعدي، أن يعالنك، أي يصارحك أخوك بالعداوة، ويحسر لك اللثام عن بطش وكيد، وهو في منعة من شدة أسره، وهو الخلق القوي.
وقوة خلقه، وفي حرز من أصهاره وذوي قرباه، وما أرى إلا أن تزمع رحيلا إلى فدان آرام من أرض العراق، حيث خالك لابان بن بتويل، فابن على إحدى بناته، أي تزوجها، فإنك تنال العز والشرف والمجد والمنعة، ثم عُد بعدها إلى هذه الأرض وإنني لأرجو لك عيشا أخفض من عيش أخيك، أي أفضل، ونسلا طاهرا خيرا من نسله وولده، والله يكلؤك بعينه ويحفظك برعايته، فكانت هذه الكلمات وقعت في نفس نبى الله يعقوب عليه السلام، من أبيه إسحاق عليه السلام، أندى من الماء البارد على فؤاد مُحتر، وجد فيها متنفسا لصدره، ونزعت نفسه إلى منبت الأهل وبلد الآباء والأجداد، فاستودع أبويه بدموع ثخينة، وشيعاه بدعوات طيبة كريمة، وخرج مخترقا الصحراء، مسريا بالليل سائرا بالنهار، يرفعه نجد ويخفضه وخد، ولقاء خاله نصب عينيه.
وكلمات أبيه ملء سمعه وبصره، وعناية الله ترمقه وترعاه، وكان كلما أتبعه السير وأضناه بُعد الشقة، تذكر الأمل الذي يرجوه والخير الذي يرتقبه، فيسهل الحزن وينقاد السير، وقد طلع يوم تحرقت سمائمه الريح الحارة، وهبت سوافيه ذرات الرمل، ورمت الشمس الأرض بسهامها المحماة، فشق على يعقوب السير، وبعدت أمامه الشقة، وتلفّت أمامه فإذا بصحراء ممتدة إلى حيث ينتهي البصر، ورمال لا معالم بها، فأدركه السأم، وأحس بالتعب، ووقف ساعة بين الإحجام والإقدام، أيواصل السير أم يؤثر العافية والراحة على هذا السفر الشاق ويقنع من الغنيمة بالإيمان؟ وفيما هو يفكر لمح صخرة تكتنف ظلا، فدلف إليها ليجلس ساعة، يريح فيها جسمه ويبرد قدميه، وما أسند ظهره إلى الصخرة حتى أدركته سِنة فنام، ورأى في نومه رؤيا صالحة شدت من أزره.