الدكرورى يكتب عن نبي الله يعقوب علية السلام ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله يعقوب علية السلام ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع نبي الله يعقوب علية السلام، ورأى أن الله سيؤتيه عيشا رضيا، ويمنحه ملكا واسعا، ويرزقه نسلا طيبا مباركا يورثهم الأرض ويعلمهم الكتاب، فقام من نومه منشرح الصدر وقد انفسحت أمامه رقعة الأمل، إذ رأى تعزيزا لنبوءة أبيه، وبشيرا بتحقيق أمانيه، وانطلق يعدو كالسهم مستأنفا السير بعزم جديد، وبعد أن قضى أياما يطوي فيها الأرض، أشرف على سواد رآه فعقد به حبل الأمل والرجاء، أن يكون هذا موطن خاله لابان، وخف مسرعا، فوجد أن رجاءه لم يخب، فاستراحت نفسه، ورأى أغناما وطيورا وشجرا ورعاة، بعد أن فارق الصحراء ووصل إلى أرض نبى الله إبراهيم عليه السلام، التي بدأت فيها رسالته، وفي أرض خاله غايته التي يرجوها، والتي قطع في سبيلها الصحاري والقفار، ساجدا شاكرا وحامدا، ومعترفا بتوفيقه وهدايته.
فلما وصل يعقوب الغريب سأل الناس متلطفا، أفيكم من يعرف لابان بن بتويل؟ فقالوا له، ومن منا لا يعرف لابان صهر إسحاق الرسول؟ إنه عميد بيئته، وشهاب قومه، وصاحب هذه القطعان التي تسيل بها هذه البطاح، فطلب من يرشده إلى مكانه، فإذا بنته راحيل مقبلة تغدو، فرحبت به وانطلقت معه إلى منزل والدها، وفيما هو في الطريق أحسن كأن اضطرابا بفؤاده، أو كأن طائرا طار من قلبه، أكان ذلك لرؤيته هذه الفتاة التي قد تكون أمله الذي يرجوه ونبوءته التي تنبأها له أبوه، وتأويل رؤياه التي رآها في الصحراء؟ أم كان قد اعتراه ما يعتري الطارق الغريب مقدما على أمر عظيم؟ قد يكون هذا أو يكون ذلك، ولكنه على كل حال ملك نفسه وأمسك بقوته ومشى بخطوات مطمئنة حتى التقى بخاله لابان، وما أن رآه حتى عانقه طويلا، واغرورقت عيناه بالدموع فرحا.
ثم أحله من نفسه وأهله محلا رفيعا ومنزلة كريمة، ثم أفضى نبى الله يعقوب عليه السلام بما أرسله أبوه، وما يرجوه من الإصهار إليه، وأنه قد رأى راحيل ابنته فحلت من قلبه منزلة رجا أن تكون له بعدها زوجا، والسبب الكريم أو النسب الذي يربط بينه وبين خاله، فقال لابان له نعم ونعام عين، أي أفعل ذلك إكراما لعينك، قد أجبتك إلى سؤالك وأعنتك على مبتغى آمالك، ولكن على أن تقيم عندي سبع حجج، أي سبع سنين ترعى، تكون لك صداقا فيما تريد، وأنت طوال هذا العهد يكنفك مني جناح، ويظلك قلب عاطف رؤوم، فقبل يعقوب هذا الشرط، وأخذ يرعى الغنم، والأيام تدهن له بمعسول المُنى وتحيي في نفسه بوارق الآمال، وكانت راحيل صغرى بنتي لابان، وكانت أختها ليا تكبرها في السن، وإن كانت تليها في اعتدال الخلق وحسن التقاسيم، أي الجمال.
ولم يكن في شريعة قومه أن يزوج الصغرى قبل الكبرى، ولكن نفسه لم تقبل أن تعيد يعقوب بن إسحاق عن راحيل، ومع ذلك فقد زوجه أولا بنته الكبرى، وبعد سبع سنين أخرى زوجه ابنته الصغرى، ووهب لهما أمتين تخدمانهما، ولكنهما آسرت يعقوب بهاتين الأمتين، ومع الأربع نساء، وهما ليا وراحيل والأمتين، فقد رزق الله عز وجل نبيه يعقوب عليه السلام، اثني عشر ابنا وهؤلاء هم الأسباط، وإن نبى الله يعقوب هو بشارة لإبراهيم الخليل عليه السلام من الملائكة، حيث أثبتوا له النبوة قبل خلقه، ثم إنهم جميعا صالحون يعبدون الله عز وجل، ويعملون الخير في الدنيا والآخرة بمشيئة الله تعالى، وإن أكثر ما تجلت قصة نبى الله يعقوب عليه السلام، مع ابنه يوسف عليه السلام، عندما رأى يوسف الرؤيا فعرف أن إخوان يوسف عليه السلام سيحسدونه ويكيدون له.
ثم فعلوا بيوسف ما فعلوا، وصبر يعقوب وعدم تصديقه لهم، واستمر هذا الصبر مع شدة حزنه وألمه على فراق يوسف وثقته بالله بأن يوسف سيحفظه الله تعالى، ثم لحاق أخيه شقيقه به عند عزيز مصر، وزيادة حزنه وأسفه عليهما، فقال الله تعالى فى سورة يوسف ” وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين، قال إنما أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ” ثم لقائه بيوسف عندما مكن الله ليوسف في الأرض، وذهابه مع كل أبنائه وأسرته إلى مصر، فتحققت رؤيا نبى الله يوسف عليه السلام، بعد زمن طويل، وإنه لا يمكن إنكار أن كثيرا من الإسرائيليات عرفت طريقها إلى التراث الإسلامى، خاصة فى الموضوعات التى ليس فيها تفصيلات كثيرة.