الرسول في غزوة حمراء الأسد “جزء 1”

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة حمراء الأسد “جزء 1”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الرسول في غزوة حمراء الأسد “جزء 1”

إن الجهاد ليس فقط عبادة، ولكنه ذروة سنام الإسلام، والأحاديث في فضله يصعب حصرها، ومع أهمية الجهاد، وأهمية احتياج الأمة إليه للذود عن أراضيها وحرماتها، ولرد الظلم ودفعه، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يتعامل مع المجاهدين والأمة بصفة عامة بشيء عظيم من الرحمة، فكان صلى الله عليه وسلم، يقدر ظروفهم ويخفف عنهم ويرحمهم ويرفق بهم، مع أن الموقف قد يكون حرجا لدرجة لا تسمح في عُرف كثير من الناس برفق أو رحمة، ومن أجمل ما نجده في حياته صلى الله عليه وسلم، متعلقا بهذه الجزئية وهو عدم خروجه بنفسه في كل المعارك الإسلامية، فكان يخرج في بعضها، وهو ما عُرف في السيرة بالغزوات، وكان لا يخرج في بعضها الآخر، وهو ما عُرف في السيرة بالسرايا.

وفي كل المعارك كان اشتياقه صلى الله عليه وسلم، للتضحية والبذل في سبيل الله؟ وكان صلى الله عليه وسلم، يتفقد بنفسه شؤون أقارب الشهداء والمجاهدين، ليشعر المجاهد أنه إذا مات فهناك من يهتم بعائلته ويرعاها، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه من أن النبى صلى الله عليه وسلم، لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم إلا على أزواجة، فقيل له لما يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم ” إنى أرحمها قتل أخوها، وهو حرام بن ملحان، معى ” رواه البخارى ومسلم، وقد كان صلى الله عليه وسلم، يدخل على أم سليم لأنها كانت خالته إما من الرضاع أو من النسب على خلاف بين العلماء، فتحل له الخلوة بها، وهكذا كانت رحمته صلى الله عليه وسلم، تشمل المجاهد وأسرته مما يخفف كثيرا من أعباء الجهاد.

وأما عن غزوة حمراء الأسد، فهى غزوة قد حدثت في السنة الثالثة للهجرة، في منطقة حمراء الأسد وهى تبعد مسافة عشرين كيلو متر جنوب المدينة المنورة، وحمراء الأسد هي ضاحية من ضواحي المدينة المنورة، وأصبحت مخطط سكاني، تقع في الجنوب الغربي من المدينة، وقد وقعت فيها غزوة حمراء الأسد بين المسلمين والمشركين في السنة الثالثة للهجرة، وكان هدفها هو مطاردة قريش ومنعها من العودة للقضاء على المسلمين بالمدينة المنورة ورفع الروح المعنوية للصحابة بعد غزوة أحد، وكان ذلك عندما علمت قريش بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم، وفضلت الهرب خوفا من المسلمين الذين بقوا ثلاثة أيام في حمراء الأسد ثم رجعوا إلى المدينة، وغزوة حمراء الأسد ليست بحدث مستقل عن غزوة أحد.

ولكنها امتداد طبيعي وصفحة أخيرة للمواجهة التي تمت بين قريش وحلفائها من جهة، وبين المسلمين من جهة أخرى، وخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم خاف أن يقوم المشركين بغزو المدينة مرة ثانية، وذلك لأنهم لم يستفيدوا شيئا من النصرة والغلبة التي كسبوها في ساحة القتال، وكذلك سبب آخر وهو ورفع الروح المعنوية للصحابة حيث أن خروج النبي صلى الله عليه وسلم بجيش مُثقل بالجراح هو خير رسالة للأعداء بأن المسلمين لا زالوا أعزة قادرين على المواجهة، وأن جراحهم وآلامهم لا يمكن أن تعوقهم عن مواصلة الجهاد والقتال، وأن فرح المشركين بالنصر الذي أحرزوه لن يدوم طويلا، وتعد غزوة حمراء الأسد غزوة تابعة لغزوة أحد، إذ أنها جاءت بعد غزوة أحد وعودة المسلمين إلى ديارهم في المدينة بيوم واحد.

فلا تذكر غزوة حمراء الأسد مستقلة إلا ويُذكر معها ما كان في يوم أحد، فقد عز على النبى صلى الله عليه وسلم، أن يعود المدينة وقد أصاب أصحابه ما أصابهم من جراح ومصاب وحتى يُظهر قوة المسلمين وعزتهم وقدرتهم على القتال في خضم الجراح، وقد طلب النبى صلى الله عليه وسلم، من بلال في اليوم التالي للمعركة وكان يوم الأحد أن ينادي في الناس ليجتمعوا للقتال مجددا، واشترط النبي صلى الله عليه وسلم، أن يخرج معه من خرج يوم أحد، ولا يحضر أحد معه قد غاب عنها، فتجمع المسلمون حتى المصابون منهم، وانطلق بهم صلى الله عليه وسلم، مجددا، وهكذا كانت غزوة حمراء الأسد هي إحدى الغزوات التي خاضها صلى الله عليه وسلم، وقادها بنفسه بعد أن شرع الله للمسلمين الدفاع عن أنفسهم ومقاتلة الكفار والمشركين.