الإمام محمد الأبشيهي “جزء 1”

الدكرورى يكتب عن الإمام محمد الأبشيهي “جزء 1”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الإمام محمد الأبشيهي “جزء 1”

الإمام محمد الأبشيهي هو بهاء الدين أو شهاب الدين، أبو الفتح محمد بن أحمد بن منصور الأبشيهي المحلى، وهو أديب مصري، وهو صاحب كتاب المستطرف في كل فن مستظرف، في الأدب والأخبار، ونسبته إلى قرية أبشيه أو أبشواي من قرى محافظة الفيوم بمصر، وقيل أنه قد أقام في المحلة، ورحل إلى القاهرة غير مرة، واستمع إلى دروس جلال الدين البُلقيني، وقد درس الفقه والنحو وولي خطابة بلدته بعد أبيه، وقد اشتهر بتصنيف كتاب المستطرف، وغلبت الطرافة وضعف اللغة على آثاره، وله غير المستطرف كتاب اسمه تذكرة العارفين وتبصرة المستبصرين، وكتاب أطواق الأزهار على صدور الأنهار، وكما شرع في تأليف كتاب في صنعة الترسل والكتابة، وقد قال شهاب الدين محمد بن أحمد.

أبي الفتح الأبشيهي في المستطرف في كل فن مستظرف، أنه حكي أن رجلا عبد الله سبعين سنة فبينما هو في معبده ذات ليلة إذ وقفت به امرأة جميلة فسألته أن يفتح لها وكانت ليلة شاتية فلم يلتفت إليها وأقبل على عبادته فولت المرأة فنظر إليها فأعجبته فملكت قلبه وسلبت لبه فترك العبادة وتبعها وقال إلى أين فقالت إلى حيث أريد فقال هيهات صار المراد مريدا والأحرار عبيدا ثم جذبها فأدخلها مكانه فأقامت عنده سبعة أيام فعند ذلك تذكر ما كان فيه من العبادة وكيف باع عبادة سبعين سنة بمعصية سبعة أيام، فبكى حتى غشي عليه فلما أفاق قالت له يا هذا والله أنت ما عصيت الله مع غيري وأنا ما عصيت الله مع غيرك وإني أرى في وجهك أثر الصلاح فبالله عليك إذا صالحك مولاك فاذكرني، قال فخرج هائما على وجهه.

فآواه الليل إلى خربة فيها عشرة عميان وكان بالقرب منهم راهب يبعث إليهم في كل ليلة بعشرة أرغفة فجاء غلام الراهب على عادته بالخبز فمد ذلك الرجل العاصي يده فأخذ رغيفا فبقي منهم رجلا لم يأخذ شيئا فقال أين رغيفي فقال الغلام قد فرقت عليكم العشرة فقال أبيت طاويا فبكى الرجل العاصي وناول الرغيف لصاحبه وقال لنفسه أنا أحق أن أبيت طاويا لأنني عاص وهذا مطيع فنام واشتد به الجوع، حتى أشرف على الهلاك، فأمر الله تعالى ملك الموت بقبض روحه فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة هذا رجل فر من ذنبه وجاء طائعا، وقالت ملائكة العذاب بل هو رجل عاص فأوحى الله تعالى إليهم أن زنوا عبادة السبعين سنة بمعصية السبع ليال فوزنوها فرجحت المعصية على عبادة السبعين سنة.

فأوحى الله إليهم أن زنوا معصية السبع ليال بالرغيف الذي آثر به على نفسه فوزنوا ذلك فرجح الرغيف، فتوفته ملائكة الرحمة وقبل الله توبته، والله أعلم، ولعل قارىء كتاب الأبشيهي الشهير، المستطرف في كل فن مستظرف، تفاجئه تلك الروح الموسوعية التي تغلب على المؤلف والتي تظهر بقوة، حتى أن مجرد مطالعة عناوين فصول الكتاب تؤكد رغبة الأبشيهي في الإحاطة بمعارف عصره الدينية والأدبية والعلمية، حتى وصف بعضهم الكتاب بدائرة معارف مصغرة لثقافة العرب، وفي كتاب الأبشيهي تتنقل بسلاسة وعذوبة مع حكاء ماهر ومثقف ملم بأدب المنتخبات كلها بين أربعة وثمانين بابا، يفتتحها بعدة أبواب دينية يتحدث فيها عن أركان الإسلام والعبادات وفضائل القرآن الكريم ويختتمها بباب يتناول فيه فضل الصلاة على النبي.

وبينهما مدونة ضخمة تمتلىء بحكايات ومعلومات عن الأخلاق وطرائق الحكم وأمثال العرب وتاريخهم وتراجم لأعلامهم وعاداتهم في الجاهلية والإسلام، وقصص عن الجن وعجائب المخلوقات وجغرافية الأرض وما تحتويه من معادن، وأنواع الحرف وطوائف المهن المختلفة، والصناعات المتنوعة، والطب وأصناف الأدوية، و الأطعمة المعروفة في عصره، ولا ينسى الشعر والحكم والحب وأشهر قصص العشاق، وحُلي النساء، وأخلاقهن، وما ينبغي أن يفكر فيه الرجل المقدم على الزواج، والغناء وأبرز المطربين، والحيل والمكائد التي يمارسها السحرة والدجالون، وحتى الأسماء والكنى والألقاب وما استحسن منها يفرد لها بابا خاصا، وإن كتاب الأبشيهي بهذه الموضوعات التي تنتمي إلى فضاءات عدة ومختلفة،