الدكرورى يكتب عن أسرار مسجد نمره
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
أسرار مسجد نمره
تعد المساجد في العالم الإسلامي مراكز عظيمة ولها كبير الأثر في المجتمعات، فهي خير المؤسسات لإصلاح الحياة، ومعروف أن إصلاح أي بيئة لا يتم إلا بتفعيل دور أكبر مؤسسة إرشادية فيها، فكانت المساجد خير مراكز للتربية والإرشاد، حيث حث الإسلام على بنائها، ولذلك فإن أول عمل قام به النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة أن شرع ببناء المسجد، وأصبحت المساجد مكان أداء العبادة من صلاة واعتكاف وغير ذلك من تعلم واجتماع، وعليه فقد حرص المسلمون على تأسيس المساجد في كل بقعة، ولاسيما تلك المقدسة منها.
وكان من أهمها مسجد نمرة الذي أسس على صعيد جبل عرفات، ومسجد نمرة بفتح النون وكسر الميم وسكونها، هو واحد من أهم المعالم في مشعر عرفات، وبه يصلي عشرات الآلاف من ضيوف الرحمن حجاج البيت الحرام صلاة الظهر وصلاة العصر في يوم عرفة جمعا وقصرا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويقع مسجد نمرة إلى الغرب من مشعر عرفات، ويقع جزء من غرب المسجد في وادي عرنة وهو وادي من أودية مكة المكرمة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن الوقوف فيه .
حيث قال صلى الله عليه وسلم ” وقفت ها هنا وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة” وبطن وادي عرنة ليس من عرفة لكنه قريب منه، ويعتبر مسجد نمرة علامة فارقة في جبين مشعر عرفات، حيث يمكن الاستدلال عليه من كل أطراف عرفات، وفي يوم الوقوف بعرفات يوم التاسع من شهر ذي الحجة يؤدي أكثر من ربعمائة ألف مصل صلاتي الظهر والعصر جمعا وقصرا في مسجد نمرة بمشعر عرفات، ويعرف مسجد نمرة العريق بعدة أسماء حيث تطلق عليه أيضا مسميات مسجد إبراهيم الخليل ومسجد عرفة ومسجد عرنة .
وقد شيد مسجد نمره في المرة الأولى في منتصف القرن الثاني الهجري، في أول عصر الخلافة العباسية، وحظي بنائه وعمارته باهتمام خلفاء وسلاطين وأمراء المسلمين، حيث عمره الجواد الأصفهاني في عام خمسمائه وتسعه وخمسين من الهجره، وأجريت له في العصر المملوكي عمارتان مهمتان الأولى بأمر الملك المظفر سيف الدين قطز، والثانية بأمر السلطان قايتباي، وتعتبر الأفخم والأكثر جمالا واتقانا في ذلك الحين، ثم جددت عمارته في العهد العثماني، وقد شهد مسجد نمرة أكبر توسعة له في التاريخ في العهد السعودي.
وقد صار طوله من الشرق إلى الغرب ثلاثه مائه وأربعون مترا، وعرضه من الشمال إلى الجنوب مائتان وأربعون مترا، وأصبحت مساحته تبلغ أكثر من مائه وعشرة آلاف متر مربع، وتوجد خلف المسجد مساحة مظللة تقدر مساحتها بحوالي ثمانية ألاف متر مربع، ويستوعب المسجد نحو ثلاثه مائه وخمسين ألف مصل، وللمسجد ست مآذن ارتفاع كل منها ستون مترا، وله ثلاث قباب وعشرة مداخل رئيسية تحتوي على أربعه وستون باب، وفيه غرفة للإذاعة الخارجية مجهزة لنقل الخطبة وصلاتي الظهر والعصر ليوم عرفة مباشرة بواسطة الأقمار الصناعية .
فحين قدم النبى صلى الله عليه وسلم، حاجا إلى جبل عرفات أقام بالقرب منه في وادي عرنة، فصلى وخطب خطبته الأخيرة في حجة الوداع عند جبل صغير يدعى نمرة، وفيما بعد تم بناء مسجد في ذلك المكان وسُمي بمسجد نمرة، حيث تم بناؤه في بدايات الدولة العباسية في منتصف القرن الثاني الهجري، ويعد في الوقت الحالي أحد أهم المعالم والعلامات المميزة في مشعر عرفات، حيث يمكن الاهتداء إليه من كافة جهات عرفات، وبعد التوسع الكبير للدولة الإسلامية وانتشار الإسلام في أصقاع الأرض وأرجائها.
حيث أدى ذلك إلى ازدياد عدد الحجاج لبيت الله الحرام والذين جاوز عددهم المليوني حاج، وقد تمت توسعة مسجد نمرة، فأصبح من المساجد الضخمة، حيث يقسم داخله إلى جزأين شرقي وغربي، فالقسم الشرقي منه يتبع لعرفات، أما القسم الغربي منه والذي يضم محرابه ومنبره فهو غير تابع لموقف عرفات، إلا أن الصلاة فيه جائزة لفعل النبى صلى الله عليه وسلم، وأما عن حكم الوقوف في مسجد نمرة يوم عرفة، فهو عندما تكرر توسيع المسجد مرات عدة، فقد وضع في داخله علامات وإشارات تبين لمن يؤدون أعظم مناسك الحج ما هو من عرفات وما ليس منها.
فالوقوف في مسجد نمرة في الجزء الذي يقع في حدود عرفة من بعد الزوال إلى الغروب وقوف صحيح، فكما جاء عند النووي وغيره من العلماء أن مقدمة المسجد من طرف وادي عرفة ليست في عرفات، وآخره في عرفات، فقالوا: من وقف في مقدمته لم يصح وقوفه، ومن وقف في آخره صح وقوفه، ويعود تسمية مسجد نمرة بهذا الاسم إلى قرية نمرة الواقعة خارج عرفات، وهي الحد الفاصل بين الحرم والحل، فاللهم اكتب لنا الوقوف بعرفات وحج بيتك الحرام.