مشروعية سجدة الشكر ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن مشروعية سجدة الشكر ” جزء 2″

بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

مشروعية سجدة الشكر ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع مشروعية سجدة الشكر، فإنه يُشرع له أن يسجد شكرا لله عليها، ومثال النعم الظاهرة مثل أن يرزقه الله ولدا بعد أن يَئس من ذلك، أو أن يدفع الله عنه نقمة، كأن يشفى له مريض أو يكون هو نفسه مريضا ويئس من البرء ثم يُشفيه الله تعالى، أو أن يجد ضالة فقد الأمل في العثور عليها، أو أن ينجو هو أو ماله من غرق أو حريق أو كارثة، أو أن يرى مُبتلى أو عاصى، فيسجد لله تعالى شكرا على سلامته هو من مثل ذلك البلاء وتلك المعصية، وقد نص الشافعية والحنابلة بأنه يُسن السجود، سواء كانت النعمة الحاصلة أو النقمة المُندفعة خاصة به، أو عامة للمسلمين جميعا، كالنصر على الأعداء، أو زوال طاعون أو وباء ونحوه، ويرى الحنابلة في قول آخر لهم أنه يسجد للنعمة العامة فقط، ولا يسجد للنعمة الخاصة، ويجدر الإشارة إلى أنه عند الحنابلة والشافعية الذين أجازا سجود الشكر.

فإنه لا يُشرع عندهما السجود لاستمرار النعم فهي لا تنقطع، ولأن العاقل يُهنئ بالسلامة من عوارض الأمور، ولا يتم ذلك كل ساعة لجميع النعم الظاهرة والباطنة، وتدور تعريفات الفقهاء لسجود الشكر حول معنى واحد تقريبا، وهو شكر الله سبحانه وتعالى سواء كان على هجوم نعمة، أم كان على دحور نقمة، ومن هذه التعريفات له هو السجود الذي يؤدى عند حصول خير شكرا لله تعالى، وهو سجدة واحدة كسجود الصلاة، وقد اختلف الفقهاء فيما بينهم في حكم سجود الشكر ما بين سنيته وعدم مشروعيته، وقد ذهب علماء الحنفية إلى أن سجدة الشكر مسنونة، وهذا رأي الصاحبين، وعليه الفتوى، وأما الإمام أبو حنيفة فلا يراها مشروعة، واختلف علماء الحنفية في معنى ذلك بين من قال إن الإمام لا يرى سنيتها، وبين من قال لا يرى وجوبها، وكان حجة الصاحبين.

وهو ورودها عن الصحابة رضوان الله عليهم كأبي بكر وعمر وعلي، وأما عند الإمام فنقل عنه في المحيط أنه قال لا أراها واجبة، لأنها لو وجبت لوجب في كل لحظة، لأن نعم الله تعالى على عبده متواترة، وفيه تكليف ما لا يطاق، ونقل في الذخيرة عن محمد عنه أنه كان لا يراها شيئا، وتكلم المتقدمون في معناه، فقيل لا يراها سنة، وقيل شكرا تاما، لأن تمامه بصلاة ركعتين كما فعل عليه الصلاة والسلام يوم الفتح، وقيل أراد نفي الوجوب، وقيل نفي المشروعية وأن فعلها مكروه لا يثاب عليه، بل تركه أولى، وعزاه في المصفى إلى الأكثرين، فإن كان مستند الأكثرين ثبوت الرواية عن الإمام به فذاك، وإلا فكل من عبارتيه السابقتين محتمل، والأظهر أنها مستحبة كما نص عليه محمد، لأنها قد جاء فيها غير ما حديث وفعلها أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبى طالب.

فلا يصح الجواب عن فعله صلى الله عليه وسلم بالنسخ، وأما المالكية فقد ذهبوا في مشهور مذهبهم إلى كراهة سجود الشكر، فقال الإمام ابن الحاجب رحمه الله تعالى ويكره سجود الشكر على المشهور، وقد جاء في المدونة قال ابن القاسم وسألت مالكا عن سجود الشكر يبشر الرجل ببشارة فيخر ساجدا؟ فكره ذلك ” وقد ذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية إلى أن سجود الشكر مستحب، وقد قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري “وسن سجدة للشكر كسجدة التلاوة خارج الصلاة، عند هجوم نعمة كحدوث ولد، أو جاه، أو مال، أو قدوم غائب، أو عند اندفاع نقمه كنجاة من غرق، أو حريق” وقال الإمام المرداوي “ويستحب سجود الشكر هذا المذهب مطلقا، وعليه الأصحاب” إلا أنه في قول عند الحنابلة أن سجود الشكر يكون لنعمة عامة للناس، وليس لنعمة خاصة بالفرد.

إلا أن الراجح عندهم أن سجود الشكر يسن لهجوم النعمة أو اندفاع النقمة سواء كانت عامة أم خاصة، وقال الإمام المرداوي فائدة الصحيح من المذهب أن يسجد لأمر يخصه نص عليه وجزم به في الرعاية الكبرى، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب” وقد استدل الإمام أبو حنيفة على عدم مشروعية سجود الشكر بأن السجدة الواحدة ليست بقربة إلا سجدة التلاوة، وبأنها لو وجبت لوجبت في كل لحظة، لأن نعم الله تعالى على العبد متواترة بمعنى أنها لا تنتهي، وأما الإمام مالك فقد استدل، بأنه سجود الشكر ليس مما شرع في الدين فرضا ولا نفلا، إذ لم يأمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فعله، ولا أجمع المسلمون على اختيار فعله، والشرائع لا تثبت إلا من أحد هذه الوجوه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يفعل ذلك ولا المسلمون بعده، ولو كان لنقل.