الدكرورى يكتب عن عنكبوت وحمامة الغار
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
عنكبوت وحمامة الغار
إن المسلم مأمور بعبادة ربه فى كل وقت وحين ولو حيل بينه وبين ذلك في مكان إقامته وجب عليه الخروج إلى أرض الله الواسعة ليعبد ربه، والثقة بنصر الله ووعده عند الشدائد وكمال اليقين بمعيّة الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين يقينا راسخا لا تزعزعه عواصف الباطل، ولا يزلزله إرعاد أهله ولا إبراقهم، ولا يهزّه تهديدهم ولا وعيدهم، فحين عظم الخطب وأحدق الخطر ببلوغ المشركين باب الغار الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، قال أبو بكر رضي الله عنه والله يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لرآنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما” فكان الرد هو حفظ الله لرسوله ونصرته لدينه.
وإعلاء كلمته مع محاولة الكفار قتله والقضاء على دينه، وقيل عن الهجرة النبويه، انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار، فدخلا فيه، فجاءت العنكبوت، فنسجت على باب الغار، وجاءت قريش يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أكثر ما شاع في روايات السيرة النبوية في الهجرة النبوية الشريفه هو قصة نسيج العنكبوت والحمامتين في الغار، فهل وردت أخبار صحيحة حول قصة العنكبوت والحمامتين في غار ثور ؟ وقد روى الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر قال وأخبرني عثمان الجزري أن مقسما مولى ابن عباس رضي الله عنهما أخبره عن ابن عباس في قوله “وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك” من سورة الأنفال.
قال تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، وهم يريدون النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم بل اقتلوه، وقال بعضهم بل أخرجوه، فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك، فبات علي بن أبى طالب، على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة، فلما رأوا على بن أبى طالب، ردّ الله مكرهم، فقالوا أين صاحبك هذا؟ قال لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا لو دخل ههنا لم يكن نسيج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال” وقد قال ابن كثير رحمه الله “وهذا إسناد حسن وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار.
ويقال والله أعلم إن العنكبوت سدّت على باب الغار، وان حمامتين عششتا على بابه، ولقد ضعّف الحديث الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على المسند فقال “في إسناده نظر، من أجل عثمان الجزري، وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد أن ضعّف الحديث “ثم إن الآية المتقدمة “وأيده بجنود لم تروها” وهى فيها ما يؤكد ضعف الحديث، لأنها صريحة بأن النصر والتأييد إنما كان بجنود لا ترى، والحديث يُثبت أن نصره صلى الله عليه وسلم، كان بالعنكبوت، وهو مما يُرى، فتأمّل، والأشبه بالآية أن الجنود فيها إنما هم الملائكة، وليس العنكبوت ولا الحمامتين، ولذلك قال البغوي في تفسيره ” وهم الملائكة نزلوا يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته ” .
وهذه قصة لا تثبت ولا دليل عليها، بل الأدلة تنكرها، ولم تصح في السيرة على الرغم من تداولها وتدريسها في المدارس وقولها في الخطب في مناسبة الهجرة من كل عام، والحديث الصحيح في البخاري الذي فيه ” ثم لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكث فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقف، فيرحل من عندهما سحرا، وكان يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث” وهذا يدل على أن عبدالله بن أبي بكر كان يدخل ويخرج بحرية ولم يُذكر في الحديث أن هناك شيء على الباب يمنعه من ذلك أو أي أثر لشيء من هذا، وقد قال أبو تراب الظاهريرحمه الله ” وقد ورد أن حمامتين وحشيتين عششتا على بابه، وأن شجرة نبتت.
وكل ذلك فيه غرابة ونكارة من حيث الرواية، وفي رواية فيها غرابة ونكارة أن الحمامتين أفرختا، وأن حمام الحرم المكي من نسل تلك الحمامتين، وكل ذلك بأسانيد واهية ” وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، معلقا على قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ” لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا ” وفيه دليل على أن قصة نسج العنكبوت غير صحيحة، فما يوجد في بعض التواريخ أن العنكبوت نسجت على باب الغار، وأنه نبت فيه شجرة، وأنه كان على غصنها حمامة، وكل هذا لا صحة له، لأن الذي منع المشركين من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه، ليست أمورا حسية تكون لهما ولغيرهما بل هي أمور معنوية وآية من آيات الله عز وجل” .
وقال أيضا رحمه الله، في موضع آخر “ما كان عشّ كما يقولون، ولا حمامة وقعت على الغار، ولا شجرة نبتت على فم الغار، ما كان إلا عناية الله عز وجل، لأن الله معهما” وقد أورد الشيخ الألباني رحمه الله، في السلسلة الضعيفة، حديثا عزاه إلى مسند الفردوس للديلمي وهو أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال “جزى الله عز وجل العنكبوت عنا خيرا فإنها نسجت علي وعليك يا أبا بكر في الغار، حتى لم يرنا المشركون، ولم يصلوا إلينا” وقال رحمه الله، عن الحديث منكر، ثم ختم كلامه بقوله “واعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار والحمامتين على كثرة ما يُذكر ذلك في بعض الكتب والمحاضرات ” وكما أخرج الحاكم في المستدرك، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إليّ فأسكني أحب البلاد إليك” فأسكنه الله المدينة، ثم قال الحاكم “هذا حديث رواته مدنيّون من بيت أبي سعيد المقبري” وتعقبه الذهبي بقوله ” لكنه موضوع، فقد ثبت أن أحب البلاد إلى الله مكة” وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله، عن هذا الحديث فقال “هذا حديث باطل كذب” وفى النهايه السؤال الذي يطرح نفسه هو، كيف أنزل الله عز وجل السكينة على النبى صلى الله عليه وسلم، ومن هم الجنود الذين أيّده الله بهم فلم يستطيع الكفار والمشركين أن يروها؟ فالجواب واضح فالآية تفسّر نفسها، ولقد بعث الله القوي العزيز جنوده الذين هم الملائكة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، واستطاعت الملآئكة القضاء على الذين كفروا وعلى الذين كانوا يتربصون بالرسول لمحاربته وقتله.