الرسول في غزوة سفوان “جزء 1”

الدكروى يكتب عن الرسول في غزوة سفوان “جزء 1”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الرسول في غزوة سفوان “جزء 1”

إن الحياة التي تكرم الإنسان إنما هي الحياة في ظل شريعة الإسلام، ولا عز ولا شرف إلا بالتمسك بها، والعمل بتعاليمها، والوقوف عند حدودها ومراسيمها، وإن البشرية بغير شريعة الإسلام بشرية منكودة معذبة، تتخبط وتتلبط في حياة عفنة، وعيشة نتنة، وتهدر فيها أثمن ما تملك، وتعبث فيها بأعز ما تمسك، وإن لهذه الشريعة الغراء أعداء ألداء، لا يألون إقداما، ولا ينكسون إحجاما، ولا يعرفون انهزاما في محاربتها ومحاولة وأدها في مهدها، بزعزعة ثوابتها وخلخلة قواعدها، والتشكيك في مسلماتها، عقد لألوية البدعة، وإطلاق لعنان الفتنة، ومضادة للشريعة، بطرق الخداع والمكر والتأول، والدجل والكذب والتحيّل، ولبس الحق بالباطل بأقوال مزخرفة وألفاظ خادعة، تبريرا للانحراف، وتقريرا للتهاوي والانجراف.

وإن الجهاد في سبيل الله من أفضل ما تقرب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من إعلاء كلمة الله تعالى، ونصر دينه، ونصر عباده المؤمنين، وقمع الظالمين والمنافقين الذين يصدون الناس عن سبيله، ويقفون في طريقه، ولما يترتب عليه أيضا من إخراج العباد من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، وغير ذلك من المصالح التي تخص المؤمنين، وتعم الخلائق أجمعين، وإن الشهادة في سبيل الله مرتبة عظيمة يمنحها الله تعالى لمن بادر بالحصول عليها، وصدق النية في ذلك، فأوقف لله نفسه، وبذل فيه روحه ناصرا لدينه حتى يدركَها وهو راض مطمئن، وتعرف الشهادة في سبيل الله بأنها حالة شريفة تحصل للعبد عند الموت، لها سبب.

وشرط، ونتيجة والشهيد في الإسلام هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، غير طامع في عوض أو جزاء من فناء الدنيا فيموت خالي اليدين ليس في قَلبه إلا حُب الله والموت لأجله تحقيقا لشهادته بالوحدانية لربِه، وتصديقا لوعده بأن ما عنده خير وأبقى، ويعتبر الجهاد في سبيل الله أسمى مراتب الواجبات الإسلامية، وحكمه فرض كفاية في حال قيام بعض المسلمين به، ويكون فرض عين في حال التقاعس عن أدائه، ويصنف الجهاد في سبيل الله إلى ثلاثة مراتب وهي جهاد النفس، والجهاد بالمال، والجهاد باللسان، ويتسارع المسلمون إلى أداء هذه الفريضة لينالوا شرف الشهادة في سبيل الله تعالى، وليرتقوا إلى أعلى مراتب الأجر والثواب طمعا بالخلود في الجنان، وتختلف مراتب الشهداء ومكانتهم، فيصنف الشهداء إلى مراتب وأقسام.

وتاليا شرح مفصل لكل ما يتمحور حول الشهيد، ولقد كان المسلمون في مكة المكرمة قلة مستضعفين، وكان الله تعالى قد منعهم من استخدام القوة في وجه الكافرين والمشركين، إلى أن حان الوقت المناسب بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة المنورة، عند ذلك أذن الله تعالى للمسلمين بالغزو والرد على أعدائهم بقوة السلاح والجهاد في سبيل الله، ثم بعد ذلك أمرهم أمرا بقتال الكافرين والمشركين بعد أن قويت شوكتهم وجعل الجهاد فرضا عليهم حتى يُهزم الكفر في أنحاء الأرض وتعلو راية التوحيد في كل مكان، فقال الله تعالى “وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين” ولقد خرج الرسول صلى الله عليه وسلم، لطلب كرز بن جابر الفهري، وقد أغار على سرح وهو رعي المدينة.

من غنم ومواشى، وكان يرعى بجبل ناحية العقيق، بينه وبين المدينة ثلاثة أميال، فطلبه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن كرزا أسلم فيما بعد وحسن إسلامه وولاه النبي صلى الله عليه وسلم سرية للجيش بعثها في أثر رجلين قتلا راعيا مسلما بعد تعذيبه، وبالفعل جيء بهما ونفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما الحد، ونزلت آية قرآنية في جزاء من يحاربون الله ورسوله، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، واستخلف عليها زيد بن حارثة، وذلك لطلب كرز بن جابر الذي أغار على رعي المسلمين بالمدينة، وزيد بن حارثة هو صحابي وقائد عسكري مسلم، وكان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، قد تبناه قبل بعثته، وهو أول الموالي إسلاما، وهو من السابقين الأولين للإسلام.