المملكة المتحدة تحديات وصعوبات فى تأمين الغذاء بسبب ارتفاع الأسعار غير المسبوق
كتب/ أيمن بحر
تشهد المملكة المتحدة أزمة معيشية حادة تضع البريطانيين أمام تحديات وصعوبات فى تأمين الغذاء بسبب ارتفاع الأسعار غير المسبوق وكذلك بسبب شح بعض المواد المطلوبة.
هذا الوضع دفع كثيراً من الأسر إلى تقليص ميزانياتها بسبب ارتفاع التكلفة فيما يتعلق بالمعيشة، في حين اضطر الكثيرون للبحث عن طرق بديلة للحصول على السلع الضرورية التي تقلصت في عديد من الأحيان.
وسجلت المملكة المتحدة تزايداً فى سرقات السلع الغذائية من المتاجر طبقاً لتقرير نشرته صحيفة الغارديان ومع بزوغ سوق سوداء للغذاء يلجأ إليها البعض من أجل الحصول على الغذاء.
وبحسب الصحيفة فإن البيانات تشير إلى أن العام الجاري 2023 سجل معدلات قياسية فى عمليات سرقة البقالات والمتاجر وهو ما كلف صناعة التجزئة ما يصل إلى مليار جنيه استرلينيطى بحسب التقديرات الصادرة عن اتحاد التجزئة البريطانى.
كما أن البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية البريطانية تكشف عن أن معدلات الجريمة بلغت أعلى مستوياتها فى هذا السياق
وفي هذا الإطار، يشير الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الدكتور حميد الكفائى إلى أن أهم عامل تسبب فى تفاقم مشاكل أزمة المعيشة فى بريطانيا هو ارتفاع أسعار الطاقة الناتجة عن اندلاع الحرب فى أوكرانيا إلى جانب اندلاع أزمة الطاقة مباشرة بعد أزمة كورونا حيث كان العالم شبه مغلق خلال سنتين وفجأة ترتفع أسعار الطاقة وتندلع أزمة عالمية جديدة.
ويضيف الكفائى بأن هناك أيضا أزمة البريكست على إثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى والتى وتسببت فى مغادرة عديد من الشركات لبريطانيا وكذا الكفاءات حيث حدثت فى بريطانيا أزمة كبيرة فى سائقى الشاحنات وهذه الأزمة جاءت متزامنة مع أزمتى كورونا والطاقة وهذه الأسباب الثلاثة (بريكسيت والحرب فى أوكرانيا وأزمة كورونا) تضافرت لتفاقم أزمة تكاليف المعيشة فى بريطانيا.
وعن تأثير الأزمة فى الطلب والعرض يوضح أنه عندما تتقلص الأموال بالتأكيد فإن الطلب سيتقلص وهذا هو السعى لتقليص معدل التضخم بأن تحدث الحكومة كسادا بحيث يتقلص الطلب بتقلص الأموال والتي لا تتقلص إلا عندما تكون القروض صعبة أو مكلفة لذلك فإن ارتفاع أسعار الفائدة يقلص من توفر الأموال المتاحة لدى المستهلكين ما يدفعهم إلى التحفظ والاقتصاد
فيما يخص تأثير انخفاض معدل التضخم على الأزمة يبين أن هناك معدلين للتضخم الأول التضخم الأساسي: وهذا يستثني أسعار الطاقة وأسعار المواد الغذائية وكل المواد المتقلبة الأسعار. والثاني هو التضخم الرئيسى وهو مقياس للتضخم يستبعد بعض السلع والخدمات التي تتأثر بالتغيرات الإدارية أو المؤقتة فى الأسعار إذ عندما يتقلص يمكن أن نتحدث عن انفراج تدريجى لأزمة تكاليف المعيشة.
وينبه بأن مؤشر الأسعار الاستهلاكية والذى مازال مرتفعا ويقترب من 5 بالمئة هو ما يهم الناس بالأساس لأنه يشمل المواد الغذائية والمواد الأساسية وليس معدل التضخم
ويلفت إلى أن خفض معدل التضخم له ثمن كونه يأتى على حساب سعادة الناس وحريتها وصحتها معتبرا أنه لولا تعاون البنوك العقارية مع المقترضين لرأينا عمليات إخلاء واسعة النطاق من المنازل بسبب عدم قدرة المقترضين على تسديد أقساط القروض العقارية.
ويقول إنه لا يوجد نمو اقتصادى بينما يتجه البلد الآن نحو الكساد الخفيف وهذا يتسبب فى تقلص الطلب وفى المقابل يتقلص العرض أيضا فى الوقت الذي تسببت فيه أزمة البريكست فى غياب الكفاءات الأوروبية ما أدى إلى ارتفاع الأجور والذي رغم أهميته لتعويض الناس عن ارتفاع أسعار الفائد إلا أن التضخم بشكل عام ما زال مرتفعا وخصوصا مؤشر الأسعار الاستهلاكية والمواد الغذائية وأسعار الطاقة.
وحول تقييمه للإجراءات التي تتخذها الحكومة للتخفيف من الأزمة اعتبر أنها محدودة لأنها معنية بخفض معدل التضخم وهذا يعنى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة الأمر سوف يقلص الاستثمارات ما معنى ارتفاع البطالة وتقلص الطلب كما أن النمو الاقتصادى مازال معدوما أو سالبا.
ويرى أن الإجراء الذى يمكن أن تتخذه الحكومة هو فرض ضريبة على شركات الطاقة التى حققت أرباحا هائلة خلال هذه الأزمة مشيرا إلى حكومة المحافظين فرضت ضريبة ولكنها ليست بالقدر الكافى أو بالمستوى الذى يعتزم أن يفرضه حزب العمال حال تسلمه السلطة وخاصة أن المتوقع فوزه فى الانتخابات المقبلة نظرا لتدنى شعبية حزب المحافظين بسبب عدم قدرة الحكومة على حل المشاكل.ولكن بمرور الزمن يمكن أن يكون هناك حلول فى ظل حكومة مختلفة غير حكومة المحافظين التي تسببت فى معظم هذه الأزمة حيث إن أزمة بريكسيت من صناعة حكومة المحافظين كذلك تأخرت الحكومة البريطانية فى فرض الإغلاق خلال أزمة كورونا ما اضطرها إلى زيادة مدة الإغلاق فيما بعد.
ووفق إحصاءات رسمية تراجع التضخم فى المملكة المتحدة- وفقا لمؤشر أسعار المستهلكين- إلى أدنى مستوى منذ أكثر من عامين وهو تطور من المرجح أن يعزز التكهنات بأن بنك إنجلترا قد يبدأ فى خفض أسعار الفائدة فى وقت أقرب مما كان متوقعا.
وقال مكتب الإحصاء الوطني البريطانى ان التضخم انخفض إلى 3.9 بالمئة فى نوفمبر وهو أدنى مستوى له منذ سبتمبر 2021 من 4.6 بالمئة المسجلة فى أكتوبر.
ترك بنك إنجلترا سعر الفائدة الرئيسى عند أعلى مستوى له منذ 15 عاما عند 5.25 بالمئة قبل أسبوعين وهو نفس المستوى الذى ظل عليه منذ أغسطس بعد نهاية ما يقرب من عامين من الارتفاعات.ومن جانبه يعزو الرئيس التنفيذي فى مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعى أزمة تكلفة المعيشة لدى البريطانيين إلى أنها بدأت مع ارتفاع نسبة التضخم أسرع من ارتفاع الأجور معتبرا أن هذه المشكلة التى تواجهها اليوم بريطانيا وهى أن نسبة التضخم ارتفعت إلى مستويات تاريخية
وفى محاولة للحد من التضخم قام بنك إنجلترا في أغسطس بزيادة أسعار الفائدة إلى 5.25 بالمئة للمرة الرابعة عشرة على التوالى لكنه أبقى أسعار الفائدة فى اجتماعاته الثلاثة اللاحقة فى سبتمبر ونوفمبر وديسمبر.
وتوقع صندوق النقد الدولى فى شهر أكتوبر الماضي، أن تشهد المملكة المتحدة أعلى معدلات تضخم بين أى اقتصاد من مجموعة الدول الصناعية السبع فى عامى 2023 و2024.
ويوضح الخبير الاقتصادى أن نمو الأجور لم يقترب من نسبة التضخم ولذلك نرى الأزمة اليوم فى ارتفاع تكلفة المعيشة فى بريطانيا والحل هو لا بد من رفع الأجور إلى نسبة تعادل أو تقترب من نسب ارتفاع التضخم.
ويشدد على أن الحل يكمن فى أن تتساوى نسبة ارتفاع التضخم مع ارتفاع الأجور، موضحاً أنه إذا ارتفعت الأجور بنسبة أكبر من المطلوب ستشتعل أزمة التضخم مرة أخرى. كما يشدد على أن أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة لن تنحل ببريطانيا فى الوقت القريب.ويعول البريطانيون على انفراجة وشيك فى أزمة تكلفة المعيشة خلال العام المقبل 2024، لا سيما فى ظل الإشارات الإيجابية التى تبعث بها الأسواق العالمية بخصوص إنهاء دورة التشديد النقدى وإن كانت بوتيرة مختلفة بين البنوك المركزية الكبرى