نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 1″

الدكرورى يكتب عن نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 1″

إن رأس المال الذي لا غنى عنه لعبد في كل وقت، هو تحقيق العبودية وتمحيص التوحيد لله سبحانه وحده لا شريك له، فعلى ذلك فطر الله الناس، وبذلك أمرهم، ولأجل ذلك بعث المرسلين فى كل أمة وجدت على وجه البسيطة فقال الله تعالى فى سورة النحل “ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت” ولذا كان كل نبي يبعثه الله تعالى إلى قوم، يبادر إلى أمرهم بتوحيد الله وإخلاص العبادة له، قائلا لهم فى سورة الأعراف “اعبدوا الله ما لكم من إلة غيرة ” وبعد بيان ذلك وإقامة البراهين عليه، يعرج كل نبي على أبرز المعاصي والمخالفات التي يقع فيها قومه، فيحذرهم منها، ويبين لهم عاقبتها وخطورة أمرها، فمن تاب وأناب، تاب عليه ربه وأنجاه كمال قال تعالى فى سورة فصلت “ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون”

ومن كفر واستكبر، وطغى وتجبر، وعصى المرسلين، واستمر في غيه وعدوانه، فقد حاق به العذاب الأليم بصنوف وأشكال يقدرها الله القوي العزيز، كما قال الله تعالى “ولا يظلم ربك أحدا ” وقال الله تعالى فى سورة العنبكون ” فكلا اخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذنه الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون “وقد حكى الله تعالى لأمة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم قصص أولئك الأقوام الذين عصوا ربهم واستكبروا، لتحذر ذلك المصير، وتأخذ العظة والعبرة، ومن أولئك الأقوام العصاة، الذين نزل بهم بأس الله الشديد، قوم كفروا بربهم، وزادوا على الكفر بإرتكاب فاحشة لم يسبقوا إليها، وخالفوا فيها الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها.

فوقعوا في تلك الفاحشة العظيمة والفعلة القبيحة، التي تأنف منها المخلوقات، حتى البهائم والعجماوات، ولم تصنع صنيعهم، ولم يزل نبيهم عليه السلام يحذرهم وينذرهم، ويذكرهم بربهم، ويبين لهم شناعة ما اقترفوه وولغوا فيه، فمرة يقول لهم كما فى سورة الأعراف ” أتأتون الفاحشه ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرون ” ومرة يقول كما قال تعالى فى سورة النمل “أتأتون الفاحشه وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون ” ولكنهم لم ينتهوا، بل طغوا واستكبروا وتحدوا فقال الله تعالى فى سورة النمل ” فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ” فلما نكصوا على أعقابهم، وأصروا على كفرهم ومعصيتهم.

جاء القدر المقدور، والأمر الذي لا يرد من رب العالمين، فعذبوا وأهلكوا بعذاب لم يسبق مثله لأمة من الأمم جزاء لهم على كفرهم وفعلهم هذه الفاحشة التي لم يسبقوا إليها فقال الله عز وجل فى سورة هود ” فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد ” وقال الإمام ابن كثير رحمه الله “يقول الله تعالى ” فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها ” وأمطرنا عليها حجارة من طين معدة لذلك، قوية شديدة يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم، وفي رواية عن قتادة وغيره، قال بلغنا أن جبريل عليه السلام لما أصبح، نشر جناحه، فانتسف بها أرضهم بما فيها من قصورها، ودوابها، وحجارتها، وشجرها، وجميع ما فيها، فضمها في جناحه، فحواها وطواها في جوف جناحه.

ثم صعد بها إلى السماء الدنيا، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب، ثم قلبها، فأرسلها إلى الأرض منكوسة، ودمدم بعضها على بعض، فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعها حجارة من سجيل، وذكروا أنها نزلت على أهل البلد وعلى المتفرقين في القرى مما حولها، فبينا أحدهم يكون عند الناس يتحدث إذ جاءه حجر من السماء، فسقط عليه من بين الناس، فدمره، فتتبعهم الحجارة من سائر البلاد، حتى أهلكتهم عن آخرهم، فلم يبق منهم أحد ” وإن مما قدره الله تعالى أن أناسا من هذه الأمة، يقعون في تلك الفعلة العظيمة والفاحشة الشنيعة، ولما كان فعل قوم لوط أعظم الفواحش وأضرها على الدين والمروءة والأخلاق، فهو داء عضال، متناه في القبح والشناعة، وهو شذوذ عن الفطرة وانحراف عن الجادة، يمجه الذوق السليم، وتأباه الفطرة السوية.