نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

نبي الله لوط عليه السلام ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع نبي الله لوط عليه السلام، ولما كان فعل قوم لوط أعظم الفواحش وأضرها على الدين والمروءة والأخلاق، فهو داء عضال، متناه في القبح والشناعة، وهو شذوذ عن الفطرة وانحراف عن الجادة، يمجه الذوق السليم، وتأباه الفطرة السوية، وترفضه وتمقته الشرائع السماوية لما له من عظيم الأضرار، وما يترتب عليه من جسيم الأخطار، فآثاره السيئة يقصر دونها العد، وأضراره المدمرة لا تقف عند حد، فشأنه خطير، وشره مستطير، يفتك بالأفراد، وينهك المجتمعات، ويمحق البركات والخيرات، ويتسبب في وقوع العقوبات وحلول النكبات، لما كان الأمر كذلك، فإنه ليس من بِدع القول أن يتكلم فيه خطيب، أو يتحدث في خطره داعية، فنصوص القرآن والسنة جاءت فيه محذرة، ومن عقوبته منذرة.

كما تكلم فى ذلك السلف الصالح، وألف فيه العلماء مؤلفات وكتبا، ويكفي من ذلك كله أن القرآن الكريم قد أشار إلى ذلك الفعل وذكر عقوبة من وقع فيه في آيات عدة، تتلى إلى يوم القيامة، وكذلك فإن لذلك الفعل القبيح أضرارا تعود إلى الدين وإلى النفس والخلق، فيقول الإمام ابن القيم رحمه الله “نجاسة الزنا واللواطة أغلظ من غيرها من النجاسات، من جهة أنها تفسد القلب، وتضعف توحيده جدا، ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركا” وإن من الأضرار الخلقية لتلك الفاحشة، هو قلة الحياء، وسوء الخلق، وقسوة القلب، وقتل المروءة والشهامة، وذهاب الغيرة والنخوة والكرامة وإِلف الجريمة والتساهل فيها، وانتكاس الفطرة، وذهاب الجاه وسقوط المنزلة، وسواد الوجه وظلمته، حتى ليكاد يعرف من يقوم بهذا الفعل، وإن من أضرارها على المجتمع.

هو حلول العقاب إذا ظهر هذا الأمر، ولم ينكر، وزوال الخيرات ومحق البركات، وشيوع الفوضى وتفسخ المجتمع، وتفكك الأسر، وعزوف الرجال عن الزواج، وقلة النسل، ومن أضراره أيضا هو ظهور الأمراض والأوجاع التي لم تكن فيمن سبق، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا” رواه ابن ماجه، وإن لها أيضا أضرار على النفس بملازمة الحزن والقلق، ووجود الوحشة والاضطراب، وخوف العقاب والفضيحة، إلى غير ذلك من الأضرار التي يقدرها الله تعالى لمن ارتكست فطرته، وزالت غيرته، واستهان بمعصية ربه، وإن للوقوع في هذه الفاحشة أسباب تجر إليها، ومن ذلك هو ضعف الإيمان الذي يعمر القلب.

ويمنعه من المعصية، ومن ذلك ترك الصلاة أو التهاون فيها، فالله تعالى يقول فى سورة العنكبوت ” ” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ” وإن للفراغ دور كبير يكمله وجود الصحبة السيئة التي تحسن القبيح وتهيئه، وإن من أسباب الوقوع في تلك الفاحشة هو ضعف الشخصية والإرادة، والطيبة الزائدة، ولا سيما من الأحداث ونحوهم، وكذا مبالغة الصغار في التجمل وإظهار المفاتن والتعري، والتساهل في ستر العورة، ومن ذلك أيضا هو مشاهدة الأفلام والمشاهد، وسماع الأغاني التي تثير الغرائز، وتذهب الغيرة، وأيضا إطلاق النظر في الحرام، وكثرة المزاح المسف، والتساهل في الحديث في مثل هذه الفواحش، فكم جر الحديث فيها من بلاء، بل إن ذلك من إشاعة الفحشاء المتوعد عليها ويقول الله تعالى فى سورة النور ” إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشه فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخره ”

ومن ذلك اختلاط الكبار بالأحداث واجتماعهم على ما حرم الله تعالى، ولا سيما إذا كان في خلاء أو بين الجدران، في شقة أو استراحة مشبوهة، وكذا تبادل الصور المثيرة، والتفاخر بفعل هذا العمل القبيح، وجر الأحداث إلى ذلك، وإن من أكبر أسباب ذلك هو إهمال الأولاد وتركهم يسرحون ويمرحون مع من شاؤوا، كبارا كانوا، أم صغارا، صالحين أم طالحين، وإن العجب لا ينقضي من أب ينام مطمئن البال قرير العين وابنه مع ثلة فاسدة، أو يتسكع في الشوارع مع رفقة تلوح على وجوههم سيم الفساد ونظرات الريبة، بل ويتغامزون ويتهامسون بما يسر الشيطان ويبغضه الرحمن، والمشتكى إلى الله، وإن من أسباب الوقوع في تلك الفاحشة هو تفكك البيوت، ووجود الطلاق أو الشقاق بين الوالدين، ومن ذلك غفلة الصالحين والمعلمين.