الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 1″ 

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 1″ 

بقلم / محمـــد الدكـــروى

الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 1″

لقد تعلم الصحابة من صلح الحديبية وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والانقياد لأمره وإن خالف ذلك العقول والنفوس، ففي طاعته صلى الله عليه وسلم، الصلاح المتضمن لسعادة الدنيا والآخرة، وإن قصر العقل عن إدراك غايته وعاقبة أمره، وفي هذا الصلح المبارك ظهرت أهمية الشورى، ومكانة المرأة في الإسلام، وأهمية القدوة العملية في موقف واحد، فقد روى الإمام أحمد بسنده من طريق المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما قصة صلح الحديبية في حديث طويل، وقد ذكر فيه أنه لما تم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم، ومشركي قريش قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “يا أيها الناس انحروا واحلقوا” قال فما قام أحد، قال، ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل.

فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل على زوجتة السيدة أم سلمة فقال” يا أم سلمة ما شأن الناس؟ ” قالت يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنسانا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلت ذلك، فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يكلم أحدا حتى أتى هديه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون” فكان رأي أم سلمة رضي الله عنها رأيا موفقا ومشورة مباركة، وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة مادامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة، فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شؤونها، فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابة الكريم فى سورة الشورى.

“والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون” وفي قبول النبي صلى الله عليه وسلم، لمشورة زوجته أم سلمة تكريم للمرأة، التي يزعم أعداء الإسلام أن الإسلام لم يعطها حقها وتجاهل وجودها، وهل هناك اعتراف واحترام لرأي المرأة أكثر من أن تشير على نبي مرسل، ويعمل النبي صلى الله عليه وسلم، بمشورتها لحل مشكلة واجهته في حياته، وفي هذا الموقف أيضا التأكيد على أهمية القدوة العملية، فقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أمر وكرره، ومع ذلك لم يستجب أحد لدعوته، فلما أقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الخطوة العملية التي أشارت بها أم سلمة رضي الله عنها، تحقق المراد، فالقدوة العملية أجدى وأنفع، خاصة في مثل هذه المواقف، ومن الفوائد الهامة من صلح الحديبية.

أن المشركين وأهل الفجور، إذا طلبوا أمرا يعظمون فيه حرمة من حرمات الله تعالى، أجيبوا إليه وأعطوه وأعينوا عليه، فيعاونون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك، وقال الزهري وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ” لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله، إلا أعطيتهم إياها ” وظهر في صلح الحديبية مدى حب الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، يعبر عن ذلك عروة بن مسعود في قوله لقومه ” أى قوم، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا، والله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه.

وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ” رواه البخاري ، ومن الحكم الباهرة من صلح الحديبية أنه كان بابا ومفتاحا لفتح مكة، ولئن لم ينتبه المسلمون لهذا في حينه، فذلك لأن المستقبل غائب عنهم، فقد اختلط المسلمون بالكفار بعد عقد الصلح وهم في أمان، ودعوهم إلى الله، وأسمعوهم القرآن، ولم يُكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ودخل في سنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك بل أكثر، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج عام فتح مكة بعد عامين في عشرة آلاف، وهذا ما بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحابه أثناء رجوعه إلى المدينة بعد عقد المعاهدة والصلح، حينما قال صلى الله عليه وسلم ” أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس” .