الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 2″ 

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 2″ 

بقلم / محمـــد الدكـــروى

الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع الرسول في غزوة عمرة القضاء، ثم قرأ قول الحق سبحانه وتعالى من سورة الفتح “إنا فتحنا لك فتحا قريبا” رواه البخارى، وقال ابن مسعود رضي الله عنه ” إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية ” وإن عرض الإسلام والدعوة إليه في جو من الهدوء والأمان، وحرية الحوار بالحجة والكلمة الطيبة، كان له أبلغ الأثر، وذلك لأن الحق له قوة يظهر بها على الباطل، فإذا أحسن العرض والدعوة إليه، واختير القول والوقت المناسب، وكان الداعية عالما بما يدعو له، حكيما في دعوته، كانت النتائج أعظم، ولقد كان صلح الحديبية غنيا بالدروس والحكم، التي ينبغي الوقوف معها والاستفادة منها في واقعنا ومستقبلنا كأفراد ومجتمعات، وحيث كان النبي صلى الله عليه وسلم، قد رأى في المنام أنه دخل مكة مع المسلمين.

محرما معتمرا، فبشّر بها أصحابه وفرحوا بها فرحا شديدا، وقد اشتاقت نفوسهم إلى زيارة البيت العتيق والطواف به، وتطلعوا إلى الرجوع لمكة بعد هجرتهم منها لأكثر من ست سنوات مضت، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه، وهو يخشى من قريش الذي صنعوا أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، فأبطأ عليه كثير من الأعراب، وتخاذلوا عنه وتعللوا بشتى الأعذار الكاذبة وهابوا قريشا، وقالوا أنذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم، وتعللوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم، وقد أحرم النبي صلى الله عليه وسلم، بالعمرة، ليعلم الناس أنه خرج إلى مكة زائرا للبيت ومعظما له، وساق معه الهدي سبعين بدنة.

ومضى إلى مكة ومعه ألف وأربعمائة أو أكثر من أصحابه، وهم يشعرون بالعزة والقوة، وإنه لمن عظيم الثقة بالله أن يذهب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويواجه قريشا في عقر دارها بهذا العدد القليل، والحرب لا زالت قائمة بين الفريقين، وقريش لم تنس بعد غزوها للمدينة بعشرة آلاف من الأحزاب، علاوة على عدم تهيؤ المسلمين للقتال وعدم أخذهم للسلاح، فقد خرجوا لا يحملون معهم منه إلا السيوف في القرب، وقد شاع بين العرب نبأ خروج النبي صلى الله عليه وسلم للعمرة، وعلمت به قريش وفزعت من ذلك، ورأت أن في ذلك تحديا سافرا لها، ومسا لمكانتها بين القبائل، حين يدخل من تحاربه إلى بلدها ويتمتع بحمايتها له في الحرم، فعزمت على صد الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته عن البيت، وعاهدت الله أن لا يدخلها عليهم أبدا.

وخرجت عن بكرة أبيها واستنفرت حلفاءها من الأحابيش، وقدمت خيلها بقيادة خالد بن الوليد إلى كراع الغميم، لمنع الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسلمين من دخول مكة بقوة السلاح، وقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما أحرم بالعمرة بعث عينا له من خزاعة، وسار النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان بغدير الأشطاط، أتاه عينه وقال أن قريشا جمعوا لك جموعا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك، فأبدى النبي صلى الله عليه وسلم، استعداده للمواجهة أمام تعنت قريش، وأراد أن يشد من عزيمة أصحابه، ويثير الحمية الدينية في نفوسهم، ليتجاوز بهم مرحلة الخوف والضعف، فاستشارهم في مهاجمة ومقاتلة من صدهم عن البيت، كما روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ” أشيروا أيها الناس علي، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين” قال أبو بكر رضي الله عنه، يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه، فقال صلى الله عليه وسلم “امضوا على اسم الله” وبذلك يتبين عزم النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين على المضي نحو غايتهم، وهي زيارة البيت العتيق، وأنهم مستعدون للصدام إذا ما ألجأتهم قريش إلى ذلك بإصرارها على منعهم من دخول الحرم، وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم، أن يثبت لقريش أنه لم يقدم لحربهم، فعدل عن طريق مواجهتهم، ليعرفوا حقيقة قصده في الموادعة وتأمين الناس، وحقنا للدماء أن تسال.