الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــروى
الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع الرسول في غزوة عمرة القضاء، وهذه الناقة أيضا هي نفسها التي بركت في مربد الغلامين اليتيمين، والذي اتخذ فيما بعد مكانا للمسجد النبوي الشريف، والقصواء قد اشتراها أبو بكر الصديق رضى الله عنه، هي وأخرى من بني قشير بثمان مائة درهم، وباعهه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وماتت في خلافة أبي بكر الصديق وكانت مرسلة ترعى بالبقيع، وقد وصفها سعيد بن المسيب بقوله، كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء لا تدفع في سباق بمعنى أنها كانت لا تسبقها ناقة أخرى، وكان لونها أحمر بين البياض والسواد وأقرب إلى البياض ومكان ولادتها هو مضارب بني قشير بالجزيرة العربية، ولقد كان لهذه الناقة حال عجيب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد وفاته، فلم تحتمل فراقه وحزنت حزنا شديدا.
ومن شدة بكائها وحزنها على الرسول صلى الله عليه وسلم، فقدت بصرها، فقام الصحابة بربط عصابة سوداء على عيناها، ولم تأكل أو تشرب مدة شهر كامل حتى ماتت وعمرها أربعة عشرة سنة، ولقد كان فى عمرة القضاء المسلمون متوشحون السيوف، محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم يلبون ويكبرون ويهللون، وقد خرج المشركون إلى جبل قعيقعان وهو الجبل الذي في شمال الكعبة ليروا المسلمين، وجبل قيقعان يقع في الجهة الغربية في مكة المكرمة، ويسمى اليوم بجبل قرن، وحدوده من حارة الباب الي القرارة، وسمي بجبل قيقعان لتقعقع السلاح به في حرب جرهم مع قطورا وهما يومئذ اهل مكة فكانت جرهم بأعلى مكة وقيقعان وملكهم مضاض بن عمرو، وكانت قطورا بأسفل مكة وأجيادين وملكهم السميدع.
وجبل قيقعان جبل عظيم طويل ممتد وفي أصله تقع المروة من جهة المدعى في الشمال الشرقي للمسجد الحرام، وفى عمرة القضاء قد قال المشركين فيما بينهم إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب، أى أتعبتهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم، وإنما أمرهم بذلك ليري المشركين قوته كما أمرهم بالاضطباع، أي أن يكشفوا المناكب اليمنى، ويضعوا طرفي الرداء على اليسرى، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مكة من الثنية التي تطلعه على الحجون وقد صف المشركون ينظرون إليه فلم يزل يلبي حتى استلم الركن بمحجنه، ثم طاف، وطاف المسلمون، وعبد الله بن رواحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.
يرتجز متوشحا بالسيف، ورمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون ثلاثة أشواط، فلما رآهم المشركون قالوا هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا، ولما فرغ من الطواف سعى بين الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي، وقد وقف الهدي عند المروة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر ” فنحر عند المروة، وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون، ثم بعث ناسا إلى يأجُج، ليقيموا على السلاح، ويأتي الآخرون فيقضون نسكهم ففعلوا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمكة ثلاثا، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا علي بن أبى طالب، فقالوا، قل لصاحبك، اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل بسرف فأقام بها، ولما أراد الخروج من مكة
تبعتهم ابنة حمزة بن عبد المطلب، تنادي، يا عم يا عم، فتناولها علي بن أبى طالب، واختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر، لأن خالتها كانت تحته، وفي هذه العمرة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، بميمونة بنت الحارث العامرية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الدخول في مكة بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة، فجعلت أمرها إلى العباس، وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجها إياه، فلما خرج من مكة خلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمشي، فبنى بها بسرف، وقد سميت هذه العمرة بعمرة القضاء، إما لأنها كانت قضاء عن عمرة الحديبِية، أو لأنها وقعت حسب المقاضاة أي المصالحة التي وقعت في الحديبية، والوجه الثاني رجحه المحققون.