الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكـــروى
الرسول في غزوة عمرة القضاء ” جزء 7″
ونكمل الجزء السابع مع الرسول في غزوة عمرة القضاء، وهذه العمرة تسمي بأربعة أسماء، القضاء، والقَضية، والقصاص، والصلح، وتعرف العمرة لغة بالزيارة، أما في الشرع، فهي زيارة بيت الله الحرام على وجه مخصوص، وهي النسك المعروف المتركب من الإحرام والتلبية، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، وحلق الرأس أو التقصير، وأما بالنسبة إلى حكمها، فقد اختلف الفقهاء في حكم العمرة، فمنهم من قال أنها ليست واجبة بل سنة، وهو قول الإمام أبو حنيفة والإمام مالك، وابن تيمية، وأغلب أهل العلم رحمهم الله، واستدلوا على قولهم بأن الأصل عدم وجوب العمرة، والتكليف لا يكون إلا بدليل، ولا يوجد دليل يدل على ذلك، بالإضافة إلى الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قائلا “العمرة واجبة فريضتها كفريضة الحج؟ قال لا، وأن تعتمر خير لَك” واستدلوا كذلك بعدم اقتران ذكر العمرة بالحج في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان” و منهم من قال أن العمرة واجبة على كل مسلم، وهو قول الإمام أحمد والشافعي، وبعض أهل الحديث رحمهم الله، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل “وأتموا الحج والعمرة لله” ومن الجدير بالذكر أن أداء العمرة ليس محصورا في وقت معين، بل يمكن أداؤها في أي وقت من السنة باستثناء أيام الحج، إلا أن بعض أهل العلم استحبوا العمرة في رمضان بسبب فضلها، واستدلوا على ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأم سنان الأنصارية لما فاتها الحج معه.
“فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي” وهكذا فإن عمرة القضاء، هي العمرة التي أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم، في العام السابع للهجرة، بعد الاتفاق مع قريش عليها في صلح الحديبية، إذ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أملى على قريش في بنود الصلح، أن يخلوا بين المسلمين والبيت الحرام ليطوفوا به، فوافقت قريش على ذلك، ولكن في العام الذي يلي الصلح، فلما كان الموعد المقرر لتلك العمرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، بألفين من أصحابه مدججين بالسلاح، يصحبون معهم عدة الحرب، تحسبا لأي خيانة من قريش، وسرعان ما نقلت عيون قريش الأخبار إليهم، فلما علموا بذلك خافوا وأرسلوا مكرز بن حفص، على رأس وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالتقى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى مكة المكرمة ومعه أصحابه رضي الله عنهم، يحملون السيوف في أغمادها كما عاهدوا قريش، وأما كفار قريش فخرجوا إلى الجبال المحيطة لأنهم كانوا قد عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إخلاء مكة لثلاثة أيام كاملة للمسلمين، فوقفوا ينظرون إليهم وهم يؤدون مناسك العمرة، فطاف المسلمون بالكعبة، وفرحت قلوبهم برؤيتها، وتمت العمرة، وفي آخر الأيام الثلاثة، تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، وهي أخت أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب، وخالة خالد بن الوليد، ويمكن القول إن لهذا الزواج بُعدا سياسيا وهو تأليف قلب خالد بن الوليد، الذي كان يُعد أعظم قادة قريش على الإطلاق.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعلم أن إسلام خالد بن الوليد يشكل ضربةً قويةً للكفر والكافرين، وهذا ما حدث بعد أشهر قليلة من عمرة القضاء، وبعد انتهاء الأيام المحددة للعمرة، أرسلت قريش حويطب بن عبد العزى وسهيل بن عمرو، لحث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمين على الخروج من مكة، فقالوا له بغلظة إنه قد انقضى أجلك فأخرج عنا، ورغم جفائهم، رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشكل طبيعي متناسيا كل آزاهم، وكان كريما ودودا مضيافا معهم، يريد أن يتألف قلوبهم، وقال صلى الله عليه وسلم ” وما عليكم لو تركتمونى فعرست بين أظهركم، فصنعنا لكم طعاما فحضرتموه ” ولكنهم ردوا بجفاء الأعراب، وقالوا لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا، فاحترم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعاهدة.